تأنث الشباب وما بعده
في السنوات الأخيرة، وكنتيجة لشيوع الميوعة والتقليعات الغريبة والتي غذتها موجة الكليبات الغنائية المبتذلة، وبرامج الاستثارة المباشرة في بعض القنوات الفضائية الفاسخة والتي تتلاعب بغرائز الشباب وتسطح همومهم واهتماماتهم وتطلعاتهم بحصرها في المتعة وحدها على حساب قضايا وقيم دينية ووطنية وقومية واجتماعية، لفتت وما زالت تلفت النظر ظاهرة تعكس إفرازات سلبية بل وخطيرة لها وهي ظاهرة إطالة شعور فئة من شباب فقد السيطرة تماما على شخصيته، بحيث تحولت من مجرد تقليعة إلى سلوك حوله علامات استفهام عديدة، وهو ما يثير فعلا قلقا حقيقيا على صفات الشباب الرجولية وميلها بهم نحو التأنث وما قد يؤدي إليه من توطن ظواهر أخرى أشد وأكثر شذوذا عن تركيبة مجتمعنا الدينية والأخلاقية والأسرية، تمس الفوارق ما بين الرجل والمرأة.
فظاهرة إطالة شعور بعض من الشباب بصورة تشبه كامل بالنساء، كإطالة الشعر حتى الكتفين، وتصفيفه وتجميله بطرق وأدوات نسائية مثل وضع "طوق" عازل وسطه أو "بكل" لرفع بعضه وتثبيته وفق تسريحة معينة، أو إطالته وجمعه ومن ثم ربطه وجعله يتدلى خلف قفاهم بما يعرفه نساؤنا بـ "ذيل الحصان" أو صبغ بعض من جذلات الشعر بلون ذهبي وبني بما يعرف عند النساء بـ "الميش"، والأخطر مما في ذلك هو شعور من يفعل ذلك بأنه لا يفعل ما هو مستنكر ومعيب وفق مقاييس مجتمعنا الدينية والأخلاقية، إلى درجة دخولهم بهذا المظهر للمساجد..!!، هي ظاهرة مقلقة فعلا وتثير عدة مخاوف، وأبرز هذه المخاوف هو أنها تؤدي إلى خلط الذكورة بالأنوثة من خلال هذا التشبه الفاضح بالنساء، فإذا كانت هذه كلها ليست مؤشرات على تشبه بالنساء وتأنث نهى عنه رسولنا ـ عليه الصلاة والسلام ـ فما هو التشبه بالنساء إذن..؟، وفي نهيه ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ أبلغ رد على من يتحجج بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطيل شعره، فإطالة الشعر شيء، وتصفيفه – كما تفعل فئة منهم اليوم – كالنساء شيء آخر، فأنت اليوم حين تصادف أحد أصحاب هذه الشعور المتأنثة، تحار في تصنيفه هل من أمامك ذكر أم أنثى..؟!، حتى تتأكد من ذلك بـ "السكسوكة" السريالية التي باتت ترسم وتحدد بطرق عجيبة، وهو ما لا أظن أنه كان حاضرا في ذهن الشيخ الدكتور سلمان العودة حين نقل عنه أخيرا، إن صح النقل، قوله إنه لا شيء في إطالة شعور الشباب، ولا شيء فيه فعلا ما لم يصل حد التشبه.
المسألة هنا ليست وجهة نظر مع كامل الاحترام لمن سوف يرى فيها حرية شخصية ومجرد نزوة شبابية سوف تزول عندما يشتد عودهم، بل قضية بالغة الأهمية والخطورة على شخصيتنا الاجتماعية المستقبلية، فهذا الجيل المتأنث كيف يؤتمن غدا على قيامه بأداء مسؤوليات ترتبط بقضايا جوهرية تحدد هوية الأمة كالتربية مثلا..؟، كما أنها تطرح إشكالية تفسير دوافعها، فهل هؤلاء الشباب الذين مالوا للتشبه بالنساء، حائرين فعلا في تحديد جنسهم هل هم ذكور أم إناث أم بين بين..؟، وهل وصل بهم حب التزين والتميز للتخلي عن صفات الرجولة..؟!!.
هنالك عدة عوامل لعبت دورا في نشوء مثل هذه الظاهرة السلبية، أولها ضعف الجانب التربوي الصحيح أسريا وتعليميا واجتماعيا وأيضا إعلاميا والذي عليه ألا يكون محايدا هنا، بل ناقدا وموجها، وثانيها الغزو الإعلامي الفضائي ودور بعض قنواته بإشاعة الميوعة وتسطيح فكر ووعي واهتمامات الشباب، وثالثها دور صوالين الحلاقة ومن يقوم عليها من شباب وافد يغري الشباب ويشجعه على التأنث باسم الموضة، وانظروا لأشكال بعضهم المقززة، من أجل الكسب المادي، وهذا يدعونا للسعي لمعالجة الأمر، وحماية أجيالنا الجديدة من "مؤامرة" لتأنيثهم وإفقادهم رجولتهم بدءا من دور الأسرة الحاسم في رفض هذه الظاهرة من أبنائها وتقويم سلوكهم لا تشجيعه باسم العصرنة والتطور، ثم المدرسة بقيامها بدورها التربوي والتوعوي اللازم، وكذلك الإعلام من خلال إلزامه بحد من القيم لا يتجاوزها ويتطاول عليها بل ونقد مثل هذه الظواهر ومناقشتها علميا، واجتماعيا من خلال المشايخ في المساجد في خطب الجمع والمدارس والمنابر العامة والخاصة.
إن أهمية التحذير من مثل هذه الظواهر الشاذة عن قيمنا وأخلاقياتنا هو لحماية مجتمعاتنا العربية والإسلامية وبالذات مجتمعنا العربي السعودي المسلم من أمرين في غاية الأهمية والخطورة، الأول سلبيات العولمة الشاملة التي باتت تحكم العالم، وتحديدا الأهداف الخفية والتي ترمي لتمرير ثقافات وسلوكيات يراد منها هدم قيمنا الأصيلة من خلال شباب سريع التأثر والتقليد بكل أسف، ومنها نشر الميوعة من خلال هذا "التأنث" الذي شاع بينهم، ومن أخطر نتائجه هو إبعاد شباب الأمة عن همومهم وقضاياهم بتسطيح فكرهم ووعيهم بحيث لا يكونون متفاعلين معها، وهو ما اتضح جليا حين رأينا شباباً لا يهتمون ولا يتفاعلون مع العدوان على غزة أخيرا، والثاني أن تؤدي مثل هذه الظواهر للوقوع فريسة لحالات شذوذ من مثلية وغيرها مما باتت تعانيه مجتمعات أخرى، وظاهرة التأنث هذه قد تقود ـ لا قدر الله ـ لوقوع بعض من أبنائنا في براثنها، فمن يستسهل التشبه بالنساء، يسهل عليه ما هو أكثر من ذلك، والأمر ليس مقصورا على فئة الشباب المذكور، بل على فئة الإناث أيضا مما يعرف بـ "البويات" أي المترجلات وهي الجزء الآخر الخفي من هذه الظاهرة.