الإدارة وتقاطع المصلحة العامة والخاصة
تلعب الإدارة في أي مجتمع, وفي أي مرفق دوراً بارزاً في نمو وتطور المجتمع من جميع الوجوه سواء كان النمو في المجال الثقافي, أو الاجتماعي, أو الاقتصادي, أو السياسي. ولأهمية الإدارة في ارتقاء المجتمع, أو تراجعه تعنى المجتمعات عناية فائقة بتطوير أنظمتها وقوانينها التي تسير أعمالها سواء كانت حكومية أو خاصة, كما في الشركات والمؤسسات, إضافة إلى تدريب منسوبيها, ويعزى النجاح الذي حققته بعض الإدارات أو الشركات العامة والعائلية التي برزت, وما زالت في كثير من المجتمعات إلى الحنكة والخبرة الإدارية التي يتمتع بها أبناء العائلة, وسطر التاريخ ولا يزال كثيرا من أسماء مديرين بارزين وعائلات لامعه في سماء مجتمعاتها حيث حققت ازدهارا اقتصاديا وسياسيا. وما حدث خلال العام الماضي من أزمة مالية لامست آثارها كثيرا من المجتمعات لا يمكن تفسيرها ومعرفة أسبابها بمعزل عن الإدارة القائمة على البنوك والشركات التي أعلن إفلاسها. من البديهيات في علم الإدارة أن النجاح الإداري يتحقق إذا توافر له عنصران أساسيان بجانب أمور أخرى لكن العنصرين الأساسيين هما القدرة على التحكم في مسار الأمور, وتوجيهها بالصورة المناسبة, إضافة إلى التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في المجال الذي يدخل في نطاق الشركة أو الإدارة. وهذا ما حدث للبنوك المفلسة وشركات التأمين, حيث إن الإقراض المفرط, وعدم التحكم في حركة الإقراض بتوجيه من فلسفة استهلاكية مفرطة, إضافة إلى الفشل في التنبؤ بهذا الوضع هو الذي أوجد الديون الضخمة التي عجز أصحابها عن الوفاء بها وتسديدها, ما أوجد الكارثة المالية التي طالت الجميع, وأفلس بسببها كثير من الشركات والبنوك, حيث أصبحت أموالها في عداد الأموال الضائعة.
الإدارة في الأساس فلسفة تتبناها الشركة أو الجهاز, وقد توجد فلسفة إدارية يتبناها الفرد الذي يتربع على قمة الهرم الإداري في الجهاز, ويؤثر إيجاباً أو سلباً في مسار الأمور في شركته أو جهازه, حتى أن بعض الجهات قد يوجد تناقضا بين فلسفة الجهاز الإدارية وفلسفة الفرد الذي قدر أن يرأسه, وفي هذه الحالة يوجد هذا الوضع حالة من الارتباك وسوء الفهم والاضطراب في إنجاز العمل, نظراً لأن العاملين في الجهاز غير معتادين على الفلسفة التي يتبناها الرئيس, أو ربما غير مقتنعين بجدواها وقيمتها, وهذا من شأنه أن يضر ضرراً بالغاً بأداء ومخرجات الشركة أو الجهاز. بعض المديرين مركزيون بطبعهم, ولا يتم أمر دون إشرافهم, واطلاعهم المباشر على كل صغيرة وكبيرة, أو كما يقول المثل (لا ينفذ خيط بإبره إلا بموافقته وعلمه, ووقوفه على العملية), وهذا من شأنه أن يعوق العمل, ويقتل الإبداع لدى من يعملون مع من يتبنى هذه الفلسفة, بينما مدير آخر يأخذ باللامركزية, ويفوض الصلاحيات للعمل لكن تكون هناك رقابة, وتقييم لوضع الشركة أو الإدارة, ومن ثم تسير بوضع سليم, وإنتاجية عالية. من الممارسات الإدارية الحميدة إيجاد بيئة العمل القائمة على التنافس الشريف بحيث يتمكن كل فرد من نيل فرصته في الأداء والنمو الوظيفي الطبيعي, بينما مدير آخر يعتمد سياسة فرق تسد بين منسوبي جهازه, بحيث تنتشر العداوات والوشايات, ومن ثم يكون هو المرجع الوحيد للجميع حتى إنه في هذا الوضع يتحول إلى السيد المطاع الذي يتقرب إليه الجميع, ويسعون إلى نيل رضاه, حتى لو كان هذا على حساب الأخلاق, وعلى حساب مصلحة العمل. صنف من المديرين يعرف بمدير الشلة, حيث يوجد في الجهاز مجموعة محدودة هي التي تحظى بالقبول والتقدير من سعادته, بينما الآخرون نصيبهم التهميش داخل الجهاز حتى لو كان أداؤهم يفوق شلة الرئيس أو مدير الجهاز, ومثل هذا الانقسام داخل الجهاز يضر بالعمل ويوجد مناخاً غير صحي.
نماذج إدارية كثيرة سمعت عنها ويتحدث عنها منسوبو أجهزتها, حيث إن البعض يحول الجهاز إلى ما يشبه الملك الخاص, إذ إن الجميع يخدمون الرئيس ولا يخدمون الجهاز, فهذا يوصل أبناء الرئيس إلى المدارس, وآخر يراجع بهم المستشفى, وثالث يراجع جهات وأجهزة أخرى في معاملات خاصة بالرئيس ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالجهاز الذي يعمل فيه, ومقابل هذه الخدمات يكون التسيب من قبل من توكل إليهم هذه المهمات, وغض الطرف عن غيابهم وتأخرهم بل الأخطاء الشنيعة التي تقع منهم, وفي نهاية المطاف المتضرر الأساس من وضع كهذا هو الجهاز ذاته, أو المستفيدون من خدمات الجهاز. من نماذج الرؤساء أو المديرين من يسعى حثيثاً إلى تطوير جهازه, وتطوير من يعملون معه من خلال توفير جميع الاحتياجات المادية, والتجهيزات, وإعطاء فرص الترقي المهني, واكتساب المهارات لمن يستحقها ويحتاج إليها من خلال الترشيح للدورات, وورش العمل, والتوجيه الواضح والسليم, كما أن من المديرين من يقف حائلا دون تطور منسوبي إداراتهم, ولذا لا غرابة أن نجد أن بعض الأجهزة يحتكرها شخص واحد حتى إذا مرض أو تقاعد, أو غيبه الموت تواجه إدارته كثيرا من المشكلات, إذ لم يُعِدْ من يخلفه, وكأنه بمثل هذا الفعل يقول إنه لا أحد يعلو عليه, ولا يمكن لأحد أن يبلغ ما بلغه من مرتبة, ومكانة.
حدثني أحد الموظفين في إحدى الإدارات أن خبيراً زار إداراتهم, وجلس مع هذا الخبير يتحدث إليه ويتجاذبون أطراف القول في أمور كثيرة, وفجأة رآه مديره فغضب عليه ووبخه على هذا الصنيع, إذ إن الجلوس مع هذا الخبير ليس متاحاً له, ويجب عليه عدم الإقدام عليه دون علمه. أنماط شتى من المديرين يوجدون, ويقبعون منذ سنين في أجهزة إدارية وشركات ومؤسسات حكومية وغير حكومية, منهم من يعمل بكفاءة وإخلاص ومنهم من يعمل لمصلحة ذاته حتى إذا غادر المكان لم تجد من يثني عليه أو يذكره بالخير.