أين يسكن المجتمع السعودي الجديد؟
لا خلاف بأن السعوديين يواجهون أزمة سكن خانقة تتعمق سنويا مع زيادة عدد السكان وشح آليات التمويل العقاري في البلاد، حيث لا يوجد بوادر لانفراج هذه الأزمة على مدى عدة عقود مقبلة، فالإحصاءات الرسمية تشير إلى أن نسبة تملك السعوديين للمساكن في خطة التنمية السادسة بلغت 65 في المائة، في حين أن النسبة انخفضت في الخطة السابعة لتبلغ 55 في المائة.
كما أن خطة التنمية الثامنة قدرت ارتفاع الإيجارات في السعودية خلال خطة التنمية السابعة بنحو 30 في المائة، فيما كانت 26 في المائة خلال الخطة السادسة، وهو ما يجعل من مشكلة السكن أزمة حقيقية تتطلب معالجة (وطنية)، خصوصا أن التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن 70 في المائة من السعوديين لا يملكون مساكن، وهؤلاء بينهم عدد كبير ويواجهون صعوبة في دفع قيمة الإيجارات التي تزداد سنويا متجاهلة الأزمة المالية العالمية التي هوت بسوق إيجارات المساكن في الأسواق القريبة إلى نحو 60 في المائة.
الدراسة التي أعلنت عنها غرفة الرياض أخيرا، أشارت إلى أن نسبة 86 في المائة من الذين يملكون مساكن قد أتموا بناءها بتمويل ذاتي، وأن 14 في المائة فقط حصلوا على قروض من صندوق التنمية العقاري وجهات تمويل أخرى، الأمر الذي يؤكد صعوبة حصول السعوديين على المساكن في المستقبل، في ظل انعدام السيولة لدى الأغلبية ممن يعملون في وظائف دون العليا، وغياب آليات التمويل الإسكاني وقلة شركات التطوير العقاري.
نحن أمام جيل جديد من المجتمع- أغلبيته من الشباب- سيظل يبحث عن مسكن تملك ليستقر فيه بعد أن ضمن الوظيفة، ولن يهدأ هذا الجيل إلا بعد أن يضمن أنه حقق حلمه، وبما أن تحقيق هذا الحلم أصعب بكثير من حلم الوظيفة، فإننا سنواجه نتائج عكسية على مستوى الإنتاج والتطور، لأن انشغال العقول والأجساد سيكون منصبا على الركض وراء العروض العقارية والإسكانية (الوهمية)، وسيصبح موقع العمل للتشاور والحديث حول المساكن والإيجارات.
ربما استشعرت بعض الجهات هذه الناحية النفسية لمنسوبيها، وعملت على إبرام عقود مع بنوك لتوفير قروض إسكان ميسرة لهم، محققة أفضل استقرار لمنسوبيها، يقابله إنتاجية عالية وثباتا وظيفيا يمتد لعقود طويلة يمنع انتقال الموظفين وخصوصا المتميزين لجهات أخرى منافسة، كما أنه يدخل في مبادرة المسؤولية الاجتماعية التي يفتقدها الوطن من المنشآت السعودية.
إجابة على تساؤل العنوان "أين يسكن المجتمع السعودي الجديد؟"، وفي ظل الحقائق التي بين أيدينا، فإن أفضل مكان يسكنه السعوديون هو المساكن التي تؤمنها لهم جهات عملهم بنظام التقسيط دون فوائد وبنظام تسديد طويل الآجل، ولو تحقق لنا ذلك فإننا نكون أوجدنا حلولا إسكانية فاعلة، وقضينا على استغلال المواطنين بأنظمة تمويل وتقسيط غير مقبولة، أوجدت من الحاجة الملحة للمسكن طريقا للتلاعب وإثقال الناس بديون يستحيل تسديدها.