رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مَن الأقوى نفوذاً أوباما أم نتنياهو؟

كلما حاولت الابتعاد عن الكتابة عن القضية الفلسطينية، أجدني منجذباً إليها لكثرة ما يُحيط بها من المتغيرات والأحداث الجسام التي تكون دائماً مضادة لمصالح الشعب الفلسطيني "المُضيَّع". وآخر مسلسل المهازل التي تدور حول حلِّ القضية، انتقال الحوار والمفاوضات من الأيدي الفلسطينية إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي أخذ على عاتقه منازلة نتنياهو المتغطرس، فيما يخُصُّ مستقبل المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. ومن الظاهر لنا، نرى أن موقف السيد أوباما يتحلى بالحزم أمام تجاهل نتنياهو لكل ما يمكن أن يُؤدِّي إلى تحقيق الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية. وهنا يبرُزُ السؤال المهم، وهو هل يستطيع باراك أوباما، بما لدى أمريكا من أرصدة المساعدات الأمريكية المالية والعسكرية والسياسية التي تُغدق بها على الدولة الصهيونية، أن يضغط على نتنياهو ويجبره على قبول معطيات الوساطة الأمريكية؟ نحن نشك في ذلك، ونضع سؤالاً آخر، مَنْ الأقوى في أمريكا، باراك أوباما أم بيبي نتنياهو؟ والمسألة لا تحتاج إلى تفكير عميق، فرئيس الدولة اليهودية أكثر نفوذاً في أمريكا من الرئيس الأمريكي عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية دون أي جدال، وذلك لوجود اللوبي الصهيوني الذي دون أي مبالغة يمسك بزمام السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط برمتها، إلى جانب السيطرة الكاملة من قِبل مؤيدي إسرائيل على مجلسي الشيوخ والنواب. ولا يبقى للرئيس باراك أوباما إلا حُسن نيته واجتهاده الشخصي، وهاتان لن تسقيانه شربة ماء. ونتنياهو نفسه يفهم دواخل السياسة الأمريكية ربما أكثر من أوباما، فهو لم يكترث بما قاله الأخير بشأن ضرورة التوقف عن بناء المستوطنات في الضفة الغربية ورجع "متنطعاً" إلى إسرائيل وكأنه عائد من رحلة صيد ممتعة.
أما أصحاب القضية فلا تسأل عن حالهم، والله يحفظهم من عيون الحساد مشغولون بأنفسهم وحل مشاكلهم الشخصية ومفاوضات الصلح بين الحركات والفصائل، ولا بأس من المناوشات البسيطة التي لا تُكلف القوم إلا عدداً قليلاً من الشهداء، مع الأخذ في الاعتبار أن القتلى من الأطراف المتناوشة كلهم شهداء، حتى لا يكون أحد أحسن من أحد. ومن حُسن الحظ أنه لا تزال لديهم أرضاً يتذابحون عليها، ونحن نخشى إذا طال الأمر ولم يقض أحدهم على الآخر ألا يجدوا في المستقبل أرضاً يتقاتلون عليها، إلا إذا كان لديهم الاستعداد لاستئجار ساحة أو ملعب كرة من إسرائيل ليمارسوا عليها هواياتهم العبثية كما يفعل الإسبان! والفارق البسيط بينهم وبين الإسبان هو أن الأخيرين يقتلون الثيران بوحشية تقشعر منها الجلود، أما إخواننا فكلهم ند للآخر ويقتل بعضهم بعضا.
وأي إنسان أو حكومة تحاول أن تتوسط بين الفصائل والحركات من أجل الصلح بينهم فإنه يضر بالقضية الفلسطينية أكثر مما يعمل من أجلها، لأن المصيبة كلها من وجود هؤلاء الإخوة الذين يتزعمون الفصائل والحركات والمنظمات. وكل منهم يدعي أنه يُمثل الشعب الفلسطيني المسكين. ونحن لسنا بصدد الشك في وطنية أي فرد من تلك الزعامات، والله سبحانه أعلم بسرايرهم. ولكننا نؤكد ثم نؤكد أن تعدد القيادات والزعامات على الساحة الفلسطينية لم ولن تُجدي نفعاً ولن تساعد على اتخاذ قرارات حقيقية ومصيرية حاسمة يتمسك بها الشعب ويقف وراءها ويتقبل خيرها وشرها. فالوضع الراهن ليس بحاجة إلى مفاوضات ومساومات بين الفصائل والحركات وتصفية حسابات شخصية. الشعب الفلسطيني اليوم، كما كان بالأمس ومنذ بداية النكبة بحاجة إلى قيادة جديدة وموحدة من الجيل الجديد، ولا بأس من إحالة جميع أفراد الزعامات الحالية على التقاعد وإبقاء مكافآتهم كاملة، على شرط أن يكُفوا عن التحدث باسم القضية الفلسطينية ويتركوا الأمر لمنْ يختاره الشعب الفلسطيني. ولا تحتاج الأمة الفلسطينية إلى ثورات وعنف من أجل التخلص من القيادات الحالية غير الفاعلة، وإنما مجرد تعبير جماعي عن عدم الرضا عن الوضع الراهن وبما لم يتحقق منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي المشؤوم، بينما الأمور تسير بمرور الوقت من سيئ إلى أسوأ. وإن كان السكوت علامة الرضا كما يقولون، إلا أنه من المستحيل أن نُسلم بأن الشعب الفلسطيني الأبي راض عن هذه الفوضى المصطنعة التي تسود الساحة الفلسطينية والعدو يتوسع على حسابهم ويُثبِّت أقدامه في كل شبر من أرضهم ويعمل جاهداً على تدمير حياتهم وهم نيام، أو قل إنهم يُقاومون بعضهم بعضا تاركين هذا العدو اللئيم يعبث بمستقبلهم، وفي واقع الأمر لا مستقبل لهم تحت هذه الظروف السيئة التي خلقها زعماؤهم.
لقد بدأت إسرائيل بزعاماتها الحالية، التي هي الأسوأ منذ تأسيسها، بالحديث عن إيجاد وطن جديد للفلسطينيين في بعض الدول العربية المجاورة. والقادم من القيادات اليهودية ربما يكونون أكثر تطرفاً حتى من نتنياهو وليبرمان، في الوقت الذي تكون خلاله الفرق الفلسطينية المتنافسة أكثر تشرذماً وأبعد عن المصالح القومية للشعب الفلسطيني.
لقد اختارت الدولة الصهيونية سكان المستوطنات من أشرس وأنجس خلق الله على وجه الأرض ليتحرشوا بالمزارعين الفلسطينيين العُزل ومضايقتهم أمام أعين رجال الأمن اليهود دون أن يُحركوا ساكناً، ما يبرهن على أن هناك تواطؤا داخل إسرائيل لطرد الشعب الفلسطيني مما بقي من أرضه. والحكومة الإسرائيلية تُعلن كل حين نيتها في توسيع المستوطنات الحالية لاستيعاب التزايد الطبيعي للسكان، وهي خدعة سخيفة. وسيُؤدي ذلك لا محالة إلى تكدس سكاني في مناطق ضيقة ليس أمامها إلا التوسع الأفقي تجاه المناطق الفلسطينية. وإذا لا قدر الله استمرت الزعامات الفلسطينية في الحرب فيما بينها، كما كانت تفعل الممالك الإسلامية في الأندلس، فقل على فلسطين السلام حتى يأتي الله بأمر من عنده.
يقول الله في محكم كتابه:
{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا(6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا(7)} سورة الإسراء

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي