أوقفوا الاكتتابات.. أوقفوا النمو!
أغرب ما نسمعه من البعض، بما فيهم بعض أعضاء مجلس الشورى، هو وقف الاكتتابات العامة. وليس لهؤلاء مسوغات منطقية لوقف الاكتتابات في أسهم الشركات سوى بعض الأسباب الجانبية التي ليس لها علاقة بسوق الأسهم. فالبعض يرى أن سوق الأسهم امتص السيولة من جيوب الأفراد، وسبب لهم خسائر فادحة، قد يجعل طرح مزيد من الشركات هو مزيد من امتصاص ثروات الأفراد. والحقيقة التي تغيب عن البعض هي في فهم طبيعة وجود أسواق الأسهم كأداة استثمارية مهمة جداً لزيادة ثروات المساهمين ومشاركة العامة في خيرات البلاد. فكلما ازداد عدد الشركات المطروحة زاد عدد الأسهم، وازدادت معها فرص شريحة أوسع من الأفراد للمشاركة في فرص استثمارية جديدة. وإذا كانت سوق الأسهم هي سوق استثمارية تتسم بالمخاطرة، فإن ذلك لا يعني وقف نموها وتطويرها، بل يجب الاستمرار في تنميتها وتطويرها من أجل خفض مخاطر التعامل فيها. فليس هناك قطاع تجاري أو استثماري أو حتى ممارسة فردية استثمارية أو حتى استهلاكية إلا وتنطوي على مخاطر تختلف في درجاتها. فلا يمكن أن أمنع تناول الأكلات السريعة لأنها تسبب السمنة، وما تنطوي عليه من مخاطر صحية، بل يجب العمل على توعية الناس من مخاطر الإكثار من تناول الوجبات السريعة وأثرها في الصحة. وبالمثل يمكن القول إنه يمكن توعية الناس بعدم وضع جل استثماراتهم في سوق الأسهم، وتوعيتهم وتثقيفهم للاستثمار في سوق الأسهم بطريقة أفضل تجلب عليهم عوائد مالية أفضل. من هذا المنطلق، فإن مزيداً من الاكتتابات بأسعار تشجيعية متمثلة في القيمة الاسمية للسهم هو مزيد من توافر الفرص الاستثمارية التي يجب تشجيع هيئة السوق المالية على تبنيها، وليس العكس.
إن البدء في تداول الصكوك والأسهم هو الآخر إضافة أداة استثمارية مهمة للأفراد، حيث إن وجود سوق للصكوك يسهم في خفض مخاطر الاستثمار في السوق المالية، حيث يمكن الأفراد من تنويع استثماراتهم بين أسهم مرتفعة المخاطر وصكوك منخفضة المخاطر قد تمكنهم من تكوين محفظة في الأوراق المالية تتسم بتوسط مخاطرها. فبتاريخ 13 حزيران (يونيو) ستطرح صكوك جديدة للشركة السعودية للكهرباء، متمنياً أن تكون قيمة الصك في متناول الجميع على أن يكون في حدود 100 ريال حتى يمكن للأفراد شراؤه. فاقتناء الصك يعني أن حامله الذي تملكه يستطيع الحصول على عائد سنوي تحدده الشركة والسوق قد يتجاوز 5 في المائة، ويمكنه خلال فترة تملكه من بيعه وشراء مزيد من الصكوك حسب العائد المستهدف. وفي نهاية مدة الصك التي قد تصل إلى خمس سنوات تستعيده الشركة، بشرائه بقيمته الاسمية (التي قلنا نتمنى أن تكون في حدود 100 ريال)، وتكون العوائد من امتلاك هذا الصك نحو 25 في المائة خلال فترة الاحتفاظ به لخمس سنوات. بمعنى آخر، فإن الاستثمار الذي بدأ بـ 100 ريال قد حقق عائداً قدره 25 ريالاً خلال خمس سنوات، وهو عائد مقبول نظير انخفاض المخاطر. وهناك من يرضى بهذا العائد، خصوصاً أن كثيرا من الأفراد يضع نقوده في حسابات جارية ولمدد طويلة دون أية عوائد تذكر.
وبتاريخ 18 تموز (يوليو) سيطرح 240 مليون سهم للاكتتاب العام تمثل 50 في المائة من أسهم الشركة الوطنية للبتروكيماويات (بتروكيم)، وسيخصص 80 سهماً للمؤسسة العامة للتقاعد و80 سهماً للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وسيتم طرح أسهم الشركة بسعر عشرة ريالات للسهم الواحد. وهو استثمار مجد يجب عدم تفويته نظير الميزة النسبية الكبيرة التي يتمتع بها قطاع البتروكيماويات السعودية، ونظير كفاءة مؤسسي الشركة المتمثلة في شركة المجموعة السعودية للاستثمار الصناعي والشريك شركة شيفرون فيليبس ونجاحاتها السابقة في هذا المجال. إن الذين فوتوا فرصة شراء أسهم المجموعة السعودية عندما وصلت إلى أقل من القيمة الاسمية (9.5 ريال للسهم) قبل أقل من ثلاثة أشهر، فوتوا أرباحاً وعوائد بنحو 100 في المائة، حيث إن سعر السهم يقترب الآن من 19 ريالا للسهم. وهنا التحدي الكبير والمخاطرة الكبيرة في سوق الأسهم بشكل عام، لكنها عوائد كبيرة تستحق استغلالها بالفعل.
وبوجود الصكوك ومزيد من الاكتتابات في أسهم السوق المالية، تضفي هيئة السوق المالية خصائص أخرى مهمة للسوق. فالسوق المالية يجب أن تحافظ على خصائصها وطبيعتها في النمو والتحسن. فمن خصائصها هي المخاطر العالية لكنها للبعض قد تكون ذات مخاطر منخفضة إذا استطاع التوفيق بين أسهم دفاعية (درجة تذبذها أقل من السوق – أسهم شركات الأسمنت مثالاً) وأسهم هجومية (مثل أسهم التأمين ذات التذبذبات العالية جدا)، وخلطها بالصكوك التي يمكن تداولها الآن، مع شركات قيادية تتمثل في اختيار شركات من قطاع البتروكيماويات والاتصالات والبنوك. ومن الخصائص الأخرى لسوق الأسهم هي المرونة في القدرة على الدخول والخروج بشكل يومي، والتسييل في وقت الحاجة. ناهيك عن أن نقل الملكية (البيع والشراء) لا يحتاج إلى أوراق ومكاتبات بل إلى ضغطة زر أو اتصال هاتفي على نقيض قطاع العقارات. ورغم ذلك فإن السوق المالية السعودية تحتاج إلى مزيد من الأنظمة والتشريعات والأدوات المالية الأخرى، لكنها وعند مقارنتها بالأسواق الأخرى – كسوق العقار مثلاً – فإنها تعد أفضل حالاً في التنظيم والإفصاح والشفافية، وبالتالي فإنها تقدم أسعارا أفضل عدالة من سوق العقار والأسواق الأخرى. فالمتبضع لشراء أثاث لمنزله سيصطدم بالفروقات الكبيرة في الأسعار، والمتبضع لشراء أية سلعة معينة سيجد الفروقات كبيرة، وسيكلفه عناء البحث عن قيمة عادلة لمنتجاته الكثير قد يضطر معها إلى تأجيل تحقيق بعض من أحلامه، بل أن تتوقف طموحاته ليصبح ثانوياً في مجتمعه. وهو الحال للذين يطالبون هيئة السوق المالية من وقف الاكتتابات، لأنهم يطالبوننا بوقف النمو، ووقف التقدم التنموي لاقتصادنا ولأفراد المجتمع، بوقف قنوات استثمارية تدفعنا إلى مزيد من النمو ومزيد من الثروات.