الصكوك والسندات ليست خالية من المخاطر
سوف أترك الجانب الفقهي وموضوع مطابقة أو عدم مطابقة بعض أشكال الصكوك والسندات لأحكام الشريعة لذوي الاختصاص ومن هم أكثر مني علما وكفاءة في هذا المجال. إلا أنني أود التذكير بأن بيع وشراء الديون كان أحد الأسباب الرئيسية لحدوث الأزمة المالية العالمية ولهذا يجب أن ننطلق من حيث انتهى الآخرون لكي لا تتكرر الأخطاء.
بالطبع أتمنى أن نكتفي في السوق السعودي بطرح أنواع معينة من الصكوك والسندات، والتي تكون مرتبطة بعين أو أصول محددة ويتم انتقال ملكية الأصول أو المنافع والخدمات إلى وعاء خاص (SPV)، ومن ثم يقوم هذا الوعاء بطرح الصكوك على المستثمرين. وباستثناء سندات الرهن العقاري التي تكون مرتبطة بأصول عقارية عادة ما تكون السندات عبارة عن قرض في ذمة الجهة التي أصدرتها. أما الصكوك والسندات العقارية في الغالب هي ملكية مشاعة بأصل أو مشروع أو خدمة محددة ولا تعتبر قرضا على من أصدرها، وهي أيضا معرضة لتقلبات الربح والخسارة التي تتعرض لها تلك المشاريع وتؤثر بها تقلبات أسعار الأصول. ومن أهم خصائص الصكوك أنها تجعل حامليها شركاء في أداء الأنشطة التي أصدرتها وتنشأ دفعات حاملي الصكوك من التدفقات النقدية الناتجة عن نشاط المشروع أو الأصل أو المنفعة. لذلك تصبح مسؤولية ملاك الصكوك مرتبطة بحجم الحصة المملوكة من قبلهم في أصل أو مشروع محدد. ولا ينطبق ذلك على ملاك السندات حيث تتحمل الجهات التي أصدرت السندات كامل المسؤولية تجاه فشل أنشطتها أو أي إشكالات أخرى تتعرض لها عملياتها وأصولها. ويردد الكثير من الخبراء والمحللين على مسامعنا أن الصكوك والسندات تعتبر أدوات استثمارية خالية من المخاطر، وهذا غير صحيح فقد تتعرض المشاريع أو الشركات التي أصدرت تلك الصكوك أو السندات للإفلاس وبهذا يخسر المستثمرون رؤوس أموالهم أو جزء كبير منها.
وبما يخص تنشيط السوق الثانوية وجعلها أكثر حيوية وتتمتع بسيولة تمكن كلا الطرفين البائع والمشتري من إتمام الصفقة بسهولة ويسر، نحن بحاجة لأكثر من صدور نظام او تشريع. فليس بالضروري أن تنشط حركة تداول وطرح الصكوك لمجرد الإعلان عن صدور أنظمة وتشريعات وقيام الجهات الرقابية بتهيئة البنية التحتية لنظام التداول لهذا الغرض. ولا يخفى على أحد بأن طرح وتداول الصكوك والسندات في السوق السعودي لم يتوقف منذ عام 1987م، حيث تم البدء ببرنامج إصدار سندات التنمية. إذا ما أسباب عدم تنشيط السوق الثانوية رغم مرور أكثر من 22 عاما؟ علما أن سوق الأسهم آنذاك لم تكن نشطة أو منظمة وأيضا لم يكن هناك آلية واضحة لطرح الاكتتابات الأولية مما يحد من بريق وجاذبية تداول الصكوك والسندات. لهذا أود التذكير بأن مجرد صدور التشريعات والأنظمة لا يكفي بل إننا نحتاج للكثير من الإجراءات لتحفيز وتنشيط حركة التداول في السوق الثانوية للصكوك والسندات. ولكي لا أطيل الشرح نحن نطمح بأن تصبح المملكة مرجعا للعالم بما يخص الصيرفة الإسلامية وهي بالمناسبة أنشطة استثمارية وخدمات مالية متوافقة مع الأحكام والضوابط الشرعية ويجب التذكير أنها لا تقتصر فقط على المسلمين. فمن المسؤول عن تغيب المملكة عن ساحة المنافسة في كل ما يتعلق بالخدمات المالية الإسلامية لتصبح ماليزيا ولندن والبحرين مراكز مهمة لتطوير المنتجات الاستثمارية المتوافقة مع أحكام وضوابط الشريعة؟ وحدث ذلك على الرغم من أن السوق السعودي كان ولا يزال أكبر مصدر للاستثمارات ورؤوس الأموال التي تبحث عن أدوات وأوعية استثمارية إسلامية!! إذا هل نستطيع القول إن للأرباح التي كانت ولا تزال تجنيها البنوك التجارية من خلال الحسابات الجارية التي يصر أصحابها على عدم قبول الفوائد دور في تأخير تكوين وتنشيط سوق رأس مال نشط تطرح فيه الصكوك والسندات؟
والآن وبعد صدور قرار تكوين بورصة الصكوك والسندات لننسى الماضي ونقوم بتأسيس سوق رأس مال صلب وجعله مركزا عالميا لمنتجات إسلامية حقيقية وخاليا من المنتجات المهجنة التي تبتكرها بعض الجهات وتغلفها بغلاف إسلامي. لتحقيق ذلك أقترح الخطوات الأولية التالية:
1- تكوين لجنة شرعية مركزية تحت مظلة إحدى الجهات الرقابية لتوحيد مصادر الفتوى.
2- السماح والترخيص لإنشاء أوعية أو شركات الأغراض الخاصةSPV .
3- حث الجهات الحكومية من وزارات وخلافه على اتباع منهج جديد لطرق تمويل المشاريع الوطنية، فعلى سبيل المثال تحويل ملكية مشروع معين إلى وعاء أو شركة أغراض خاصة ومن ثم تقوم شركة الأغراض الخاصة بطرح الصكوك لتمويل مشاريع محددة. أضف إلى ذلك أن ملكية الحكومة بتلك المشاريع ستسهل عملية طرح الصكوك وتقلص الحاجة لوجود تصنيف وتقييم ائتماني مما يزيد من وتيرة طرح صكوك قيمة ويسهل تداولها وبهذا ننشط السوق الثانوية. كذلك سيفتح المجال للمستثمرين الأفراد والقطاع الخاص في مشاركة الحكومة بتمويل مشاريع البنية التحتية.
وفي الختام أكرر أرجو أن يقتصر طرح السندات في السوق السعودي على طرح سندات الرهن العقاري لكونها مرتبطة بأصول وأن يتم التقيد بعدم تبادل ملكية السندات العقارية بمعزل عن العين أو الأصول التي ترتبط بها تلك السندات.