الرسوم والجودة في التعليم الأهلي: وقفات وتساؤلات
أشرنا في مقال الأسبوع الماضي إلى أن التعليم الأهلي العام أصبح حقيقة ماثلة في الميدان لابد من التعامل معها لكن وبحكم أن مخرجاته تصب في نهاية المطاف في مؤسسات التعليم العالي من معاهد عليا, وجامعات, ومن ثم في سوق العمل فلا بد ـ والأمر كذلك ـ من التوقف عند جودة المخرجات, وهل تفوق مخرجات المدرسة الحكومية خاصة أن المدرسة الأهلية تأخذ رسوماً على الطلاب أم أن المستوى متعادل في المدرستين؟ حاولت أن أجد دراسة مقارنة بين مخرجات التعليم الحكومي, ومخرجات التعليم الأهلي لكني لم أجد شيئاً من هذا القبيل رغم أهمية مثل هذه الدراسة لو وجدت حتى تتمكن الجهات المعنية من الوقوف على نقاط القوة, والضعف في كلا التعليمين, ولعل نتائج مشاركة طلابنا في الاختبارات الدولية في العلوم, والرياضيات المعروفة اختصاراً بـ Timss تكشف الضعف الواضح في هذين المجالين, وهذا ما قاد إلى إيجاد أولمبياد العلوم والرياضيات بهدف إحداث منافسة بين طلاب المملكة حسب المناطق, والمدارس, كما أن الانطباع ــ ولا أقرر حقيقة في هذا المقام بشأن سبب إقدام البعض على إلحاق أبنائهم بمدارس التعليم الأهلي ــ يشير إلى أن التهاون في هذه المدارس في إعطاء الدرجات قد يكون أحد العوامل الرئيسة خاصة في وقت ارتفعت فيه النسب, وزاد الطلب على التعليم العالي, وهذا إن صدق يسهم بصورة واضحة في ضعف المخرجات.
لائحة تنظيم المدارس الأهلية ذكرت في مادتها الرابعة عشر ضرورة تطبيق المدارس الأهلية المنهج التعليمي الحكومي لكنها في الوقت ذاته أعطتها شيئاً من المرونة بإدخال بعض المواد التكميلية, أو زيادة عدد الساعات, وذلك بعد موافقة جهة الإشراف, ومن هذا المنطلق نجد بعض المدارس الأهلية تزيد في يومها الدراسي مقارنة بالمدارس الحكومية, وهذا من شأنه إضفاء مسؤولية أكبر عليها للرفع من مستوى مخرجاتها خاصة أن الخدمة التعليمية مدفوعة الثمن من قبل أولياء الأمور الذين يتطلعون إلى إتقان أبنائهم للمهارات الأساسية, وبمستوى عالٍ يجعلهم قادرين على المنافسة الحقيقية عند التحاقهم بالجامعات, ومؤسسات التعليم العالي.
الشأن المالي للمدارس الأهلية ورد في أربع مواد من مواد اللائحة الأربع والعشرين، حيث تمنع المادة الثالثة المدارس الأهلية من قبول الإعانات المادية, أو النقدية من جهات أجنبية, أو دولية إلا بموافقة جهة الإشراف, وهذا في ظني سببه منع تسيب هذه المدارس, أو خضوعها لنفوذ خارجي يترتب عليه الكثير من السلبيات. الرسوم الدراسية التي تأخذها المدارس الأهلية ترك أمر تحديدها للمدارس ذاتها على أن يكون ذلك قبل بدء الدراسة بثلاثة أشهر, وذلك كما ورد في المادة الثانية عشر, وحتى نتحدث بلغة الأرقام نشير إلى بعض الرسوم دون ذكر لأسماء المدارس، حيث تتقاضى مدرسة من المدارس 12 ألف ريال للابتدائي, و13 ألفا للمتوسط, و15 ألفا للثانوي, هذا عدا رسوم التسجيل, ورسوم النقل, كما أن مدرسة أخرى تتقاضى 14 ألفا, و16 ألفا, و17 ألفا, ومدرسة ثالثة تتقاضى رسوماً تبلغ 50 ألف ريال، ورابعة تراوح رسومها بين 24 ألفا و28 ألفا. أما رياض الأطفال, والتمهيدي فتتراوح أسعار المدارس التي اطلعت على أسعارها ما بين تسعة آلاف و25 ألف ريال. وإزاء هذا التفاوت في تكلفة الطالب التعليمية في المدارس الأهلية يحق لولي الأمر, والمراقب الخارجي أن يتساءل, وبصوت مرتفع هل الأسعار مقبولة, وواقعية أم أنها مرتفعة؟ لكن أولياء الأمور يضطرون لإلحاق أبنائهم بهذه المدارس للأسباب التي تمت الإشارة إليها في مقال الأسبوع الماضي, وفي هذا المقال بصورة عرضية, وهل التفاوت الكبير بين المدارس مبرر؟ وهل هذه المبالغ تناسب مستوى المخرجات التي يتطلع إليها أولياء الأمور؟ بعض المدارس لا شك تختلف في مبانيها, وإمكانياتها عن مدارس أخرى لكن هذا لا يبرر ارتفاع الأسعار, ومواصلة رفعها من سنة إلى أخرى, ولو أخذنا مثلاً, وافترضنا أن مدرسة من المدارس الأهلية فيها 500 طالب, وتكلفة الطالب 20 ألف ريال سيكون إيراد المدرسة السنوي عشرة ملايين ريال, لكن من المؤكد أن المدرسة لها مصروفات على شكل رواتب معلمين, وإداريين, وصيانة, وكهرباء, ومستلزمات تعليمية إضافة إلى تكلفة البناء, أو إيجاره إن كان مستأجراً, وعلى افتراض أن لكل عشرة طلاب معلم سيكون عدد المعلمين 50 معلما بمتوسط رواتب مقداره أربعة آلاف ريال شهرياً للمعلم الواحد, وبتكلفة سنوية تساوي مليونين و400 ألف ريال, ولو أضفنا لهذا المبلغ أربعة ملايين للإدارة, والصيانة, والكهرباء والمستلزمات التعليمية ستكون المصروفات ستة ملايين و400 ألف ريال. وما تبقى يكون ربحاً للمدرسة وهذا حق مشروع للمستثمر الذي دخل هذا القطاع, إذ إن أي عمل لابد له من ربح حتى يستمر في تقديم خدمته لكن الربح من الممكن أن يكون كبيراً, ويجهد الطلاب, وأولياء أمورهم, أو يكون معتدلاً, ولا ضرر, ولا ضرار على الطرفين. ومع ارتفاع الرسوم في بعض المدارس, وتصاعدها المستمر من حق الطلاب, وأولياء أمورهم, والمجتمع من ورائهم أن يتساءلوا هل مع هذا الارتفاع في الرسوم ارتفاع في مستوى الجودة التعليمية؟!. وكما سبقت الإشارة لا يوجد لدي معلومات تدعم تميز التعليم الأهلي في مستوى مخرجاته, رغم أن الأمل أن يعكس التفاوت في الرسوم مستوى المخرجات.