الإنفاق الحكومي والقطاع البنكي يحكمان توجه الاقتصاد السعودي

الإنفاق الحكومي والقطاع البنكي يحكمان توجه الاقتصاد السعودي

عدت المجموعة المالية "هيرميس" توجهات الاقتصاد السعودي وخلق فرص استثمارية جديدة داخله في الفترة المقبلة، تعتمد على جانبين، الأول هو الدور الحكومي من خلال التوسع في الإنفاق، والثاني هو القطاع البنكي من خلال توسعه في الإقراض.
وأكدت "هيرميس" في تقريرها السنوي الثاني الذي أصدرته أمس حول "الاقتصاد السعودي .. الفرص والتحديات خلال العام المقبل"، تميز اقتصاد المملكة بكونه أحد المراكز القوية التي تعمل على مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية ودعم النمو الاقتصادي على الصعيدين العالمي والإقليمي، فبعد سنوات من ارتفاع أسعار النفط والإدارة المتزنة لهذه الثروة، استحوذت المملكة على مركز اقتصادي صلب يتيح لها الخروج بسلاسة من مرحلة الهبوط الحالي في الدورة الاقتصادية.
وقالت المجموعة المالية إنها لا تزعم أن المملكة لن تتأثر بتداعيات الأزمة المالية الحالية نتيجة للانخفاض الكبير في أسعار النفط والتمويل الأجنبي، بل تعتقد أن المؤشرات الاقتصادية الرئيسية ستشير إلى انخفاض حاد عند المقارنة إلى مؤشرات بعض الدول على الصعيد الإقليمي، وذلك لحجم الإسهام الهائل الذي يمثله القطاع النفطي في الجوانب الاقتصادية المختلفة مثل الناتج المحلي الإجمالي والرصيد المالي ورصيد المعاملات الجارية. وفي هذا الصدد تتوقع "هيرميس" أن يحقق كل من الرصيد المالي ورصيد المعاملات الجارية عجزاً قد يصل إلى أكثر من 50 في المائة خلال عام 2009، كما تتوقع انكماش معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.4 في المائة.
وأكدت المجموعة المالية أن تأثير تطورات النفط في المؤشرات والأرقام الرئيسية لا يعكس تقدم الأنشطة الاقتصادية على أرض الواقع، حيث إن الإنفاق الحكومي وقدرة الحكومة على مواصلة برنامجها الاستثماري سيكون له أثر كبير في استمرار الأنشطة الاقتصادية الحقيقية، كما أنه سيؤدي إلى استمرار زيادة العوامل الدافعة للطلب المحلي، لافتة في هذا السياق إلى أنها تعتقد أن البرنامج الاستثماري سيظل ماضيا على دربه وسيعمل كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي في المملكة، كما ترى أن الأنشطة الاقتصادية غير النفطية ستستمر في دفع نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى نحو 4 في المائة في عامي 2009 و2010.
وأشارت إلى أن الدور الذي تلعبه كل من الحكومة والجهاز المصرفي سيكون من بين العوامل الرئيسية المحركة لهذا الأداء. يذكر أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات السعودية من أجل مواجهة الأزمة اتسمت بالسرعة وشملت تبنّى عدد من السياسات النقدية المرنة والتوسعية، إلى جانب اتخاذ إجراءات حكومية أخرى تهدف إلى دعم البرنامج الاستثماري. ولفت التقرير إلى أنه على الرغم من أن المملكة ستحقق عجزاً حكومياً للمرة الأولى منذ ست سنوات، إلا أن هذا العجز لن يكون له أثر سلبي بسبب تراكم الاحتياطي الأجنبى، إضافة إلى أن الحكومة ستلعب دوراً مباشراً للتأثير في البرنامج الاستثماري من خلال التوسع في الإنفاق الحكومي.
كما يعتقد التقرير أن السياسة النقدية ستحافظ على خصائصها التوسعية حيث إن الحاجة لرفع أسعار العائد في السياسة النقدية على الأجل القصير ستكون قليلة، وخاصة في ظل توقعات تباطؤ معدلات التضخم عام 2009، فضلاً عن أن حسن إدارة مؤسسة النقد أدى إلى الحد من اعتماد القطاع المصرفي على الاقتراض، كما أدى إلى تدعيم الدور القوي الذي يلعبه الائتمان في دعم البرنامج الاستثماري حيث إن مسألة السيولة لم تعد مدعاة للقلق.
ويشير قسم الأبحاث في المجموعة المالية إلى أن الهبوط المتواصل في أسعار النفط يعد من أكبر المخاطر التي تواجه المملكة، فقد انخفضت الأسعار إلى أقل من 30 دولارا للبرميل الواحد، وهو الأمر الذي بكل تأكيد سيكون له تأثير سلبي واضح في برامج الاستثمار، وكذلك معدلات النمو في أرباح الشركات.
ويؤكد التقرير أن السوق السعودية لا تزال إحدى الأسواق القليلة على الصعيد العالمي التي يعتمد قطاعها المصرفي في جوهره على أساسات متينة، فقد حققت أرباح الربع الأول من عام 2009 ارتفاعاً مقارنة بالأرباح الضعيفة التي تحققت في الربع الرابع من عام 2008، ولكنها لا تزال ثابتة بالمقارنة بنتائج الربع الأول من العام الماضي، وذلك في ضوء تراجع حركة القروض من أجل تجنب المخاطر. ويتوقع قسم الأبحاث في المجموعة المالية أن يشهد قطاعا التأمين والتمويل العقاري حركة نمو قوية على المدى المتوسط.
ويعتقد التقرير أن قسم السلع الأساسية الاستهلاكية لا يزال اختياراً دفاعياً، حيث إنه مدعوم بكل من القاعدة السكانية المحلية الكبيرة في المملكة وبالنمو السكاني المطرد الذي تصل نسبته إلى 2.5 في المائة. في حين أن السياسة المالية التوسعية لحكومة المملكة ستقوم بدعم هذا النمو، إلا أن قطاع السلع الأساسية الاستهلاكية قد يمر بحالة من الانكماش على المدى القصير.
وفيما يتعلق بقطاع البتروكيماويات، أشار التقرير إلى أنه ليس من الغريب أن يعاني هذا القطاع حالياً فترة عصيبة في ظل انهيار أسعار الطاقة والسلع وانخفاض الطلب العالمي، وأن يواجه قطاع النقل البحري أيضا تحديات كبيرة عام 2009 حيث إن الطلب على ناقلات النفط العملاقة شهد انخفاضاً حاداً بسبب تراجع الطلب على المنتجات النفطية، كما انخفض متوسط السعر اليومي لناقلات النفط العملاقة بأكثر من النصف منذ كانون الثاني (يناير) 2009. ويرجح قسم الأبحاث في المجموعة المالية أن يشهد قطاعا البتروكيماويات والنقل البحري بعض الانتعاش في عام 2010 نتيجة للارتفاع المتوقع في متوسط أسعار النفط وتحسن الأوضاع الاقتصادية العالمية.
وبالنسبة لقطاع المرافق العامة، فقد أتت توقعات "هيرميس" مختلطة نسبياً بسبب الارتفاع المطرد في مستويات المنافسة التي تشهدها سوق الاتصالات السعودية خاصة في مجال الهواتف الثابتة والجوال، وترى أن المملكة سيكون لديها أحد أكثر قطاعات الاتصالات تنافساً وقوة في المنطقة بحلول عام 2011، وذلك في ظل وجود ثلاثة مشغلين لشبكات الهاتف الجوال وأربعة مشغلين للخطوط الأرضية الثابتة. كما ترى أيضاً أن قطاعي المياه والطاقة (الكهرباء) يتمتعان بفرص هائلة وقوية في إطار البرنامج الاستثماري الجاري تنفيذه من أجل تشجيع كل من النمو الزراعي والتصنيع وبناء المدن الاقتصادية الجديدة.

الأكثر قراءة