مشكلة الائتمان القادمة هل تستطيع بنوكنا مواجهتها؟
تجاوزت البنوك السعودية مرحلة خسائر الاستثمارات وانخفاض قيمها، وجنبت احتياطيات كانت كافية لإخراجها من أزمة المال العالمية بسلام، حيث واصلت تحقيقها أرباحاً فاقت توقعات المراقبين في الربع الرابع من العام الماضي، والربع الأول لهذا العام. ويبدو أن البنوك السعودية تتبنى الآن سياسة التحول إلى إقراض الأفراد على حساب الشركات والعملاء الكبار، حيث أصبح تركيزها في تحقيق الأرباح عن طريق زيادة هامش الربح، وليس عن طريق زيادة حجم القروض، حيث تفرض البنوك معدلات فائدة على قروض قصيرة الأجل بنسبة تصل إلى 5 في المائة، مع العلم أن سعر السايبور لثلاثة أشهر - سعر الإقراض بين البنوك السعودية – يصل إلى معدل أقل من 1 في المائة (0.65 في المائة)، وبالتالي فإن الأرباح المحققة قد تصل إلى أكثر من 4 في المائة. ويأتي هذا التوجه لعدة أسباب أهمها أن انكشاف بعض البنوك على بعض الشركات وكبار العملاء قد وصل إلى النسب العليا المسموح بها من الجهة الرقابية - مؤسسة النقد - حيث تصل إلى 25 في المائة من حقوق الملكية للبنك، ولم يعد بالإمكان تجاوز هذه النسب. ويمكن إعادة صياغة هذا الانكشاف بنظرة أخرى، فمعظم الشركات وكبار العملاء وصلوا إلى حدود ونسب عليا من الالتزامات الائتمانية حتى أصبح إقراضهم بصورة أعلى يشكل مخاطر حقيقية في قدرتهم على السداد في ظل ضعف الاقتصاد وتراجع الطلب مع قصور التدفقات النقدية لمعظم تلك الشركات. ولذلك لم يكن مستغرباً أن نسمع عن تخلف بعض الشركات السعودية عن سداد الاستحقاقات في تاريخها. وتبرز مشكلة مجموعة معن الصانع وما جرته من ويلات على مجموعة القصيبي دلالة واضحة على أن تحفظ البنوك في الإقراض لقطاع الشركات، وتوجهها لقطاع الأفراد قد كان في محله. وذلك حتى تتلافى حدوث أزمة ائتمان محلية تتمثل في زيادة معدلات التعثر في السداد، مما قد يؤدي إلى أزمة حقيقية قد تكون آثارها أكبر من مسألة تعرض استثمارات البنوك المحلية والخارجية لمخاطر انخفاض قيمها. فـعدم القدرة على السداد يعني خسائر محققة في محفظة إقراض البنوك قد لا تستطيع معالجتها أو مسح آثارها إلا بعد سنوات طويلة عن طريق إعادة الجدولة التي قد تضطر معها البنوك إلى تحويل القروض قصيرة الأجل إلى قروض طويلة الأجل. وعلى حد علمي فإن البنوك والمنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ليس لديها ما يسمى بإعادة جدولة القروض، لأنها تتبنى المرابحة والمشاركة، مما يجعل مخاطر البنوك والقروض المتوافقة للشريعة أكبر من غيرها من المنتجات والقروض التقليدية.
إن بوادر حصول مشكلة ائتمان في القطاع المصرفي تبدو قادمة لكن أثرها قد لا يكون كبيراً لأسباب أرى أنها ستسهم في تقليل الآثار السلبية لهذه المشكلة. ومن تلك الأسباب أن هناك ارتفاعاً كبيراً في معدلات السيولة نتيجة زيادة الإنفاق الحكومي، مع ارتفاع معدلات الودائع لدى البنوك، في ظل بيئة تتسم بانخفاض سعر الفائدة، مما مكن البنوك من رفع هامش ربح الإقراض. وثانيهما أن معدلات إقراض قطاع الأفراد ما زال منخفضاً بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي مما يسمح للبنوك من زيادة معدلات الإقراض لقطاع الأفراد. كما أن الضمانات التي تحصلت عليها البنوك سواء من الأفراد أو الشركات هي كبيرة، وفي معظمها تتجاوز قيمة الضمانات قيمة القرض الأصلي. ناهيك عن أن نسبة القروض المتعثرة والمشكوك في تحصيلها حتى تعتبر متدنية حيث إنها لم تتجاوز 2 في المائة من إجمالي القروض.
وفي اعتقادي أن الحكومة لن تستطيع عمل الكثير في تعثر سداد الديون في حال ارتفاع معدلاته. فهي لن تقوم بتسديد الدين عن أحد، وهي التي أخذت وقتاً طويلاً لخفض مديونيتها هي من أكثر من 100 في المائة من إجمالي الناتج المحلي قبل سنوات قليلة إلى نحو 15 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الوقت الحالي. وليست هناك أنظمة حماية إفلاس تسهم في إنقاذ وإعادة هيكلة الشركات، مما يجعل مشكلة أزمة الائتمان أمر داخلي يجب على البنوك والعملاء بطريقة داخلية بحتة، وأهمها إعادة جدولة الديون، عن طريق إدارة التدفقات النقدية من البنوك. فتجميد الحسابات عن طريق مؤسسة النقد قد لا يحل المشكلة بقدر ما يسهم في استعصاء حلها. إذ من المفضل أن يترك تجميد حسابات الأفراد والشركات من مسؤولية البنوك نفسها، وليس الجهة الرقابية. إذ إن البنوك تستطيع أن تتعامل مع كل مشكلة وكل عميل على حدة، وبطريقة تضمن معها استرجاع حقوقها، خصوصاً أن بنوكنا سبق وأن تعاملت مع كثير من الشركات والعملاء بطريقة لم تستدع معها تجميد حساباتهم عن طريق هيئة إشرافية، وانتهت معظم تعثر تلك الديون بطريقة مرضية وغير مؤثرة بالصورة التي قد تتركها مسألة تجميد حسابات الشركات التي نسمع عنها الآن.