رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


رجال أعمالنا .. هل أفلسوا !!!

‏في اليوم التاسع من شهر صفر لهذا العام، الموافق للرابع من شباط (فبراير) 2009م، وفي نفس هذه المساحة المخصصة نفسها كتبت تحت عنوان "السيولة والتمويل .. أين المشكلة" - عدد 5595 من جريدة "الاقتصادية". وكما يقال الجواب من عنوانه. تحدثت بوضوح عن السيولة والتمويل والفلسفات التي قامت عليها خصوصا في العقود الثلاثة الماضية، في محاولة لتشخيص الوضع لدينا في المملكة. وحتى نوصل الحديث بعضه ببعض، حيث ما إن قلته في حينه بات واقعاً اليوم من إفلاس بعض الشركات ورجال أعمال خليجون! وبداية، دعونا نعود إلى ما كتبنا وإن كان فيه شيء من الإطالة، لكنها إطالة التحليل والتمعن، لا إطالة الاستطراد. قلنا بالحرف الواحد في حينه: "أما اقتصاد المملكة وآليات التمويل، فتختلف تماماً، فليست قائمة لا على العقار ولا على صناعة المال بالمال، وللتدليل وحسب إحصائيات مؤسسة النقد في تقريرها السنوي الثالث والأربعين، نجد أن حجم التمويل للقطاع الخاص على مستوى المملكة بلغ نحو 468.2 مليار ريال فقط (حجم التسهيلات في الإمارات أعلى من المملكة)، منها 63 في المائة موجه إلى القطاع التجاري (التجزئة) وقطاع الأفراد، وهي تعنى بتوفير الحاجات الاستهلاكية بالدرجة الأولى سواءً لقطاع التجزئة (الاستيراد) لتوفير السلع أو للأفراد للصرف على شراء تلك السلع. وهو ما يعني وجود حركة تجارية حقيقية داخل الاقتصاد. فيما تتوزع النسب الباقية على قطاعات الصناعة والإنتاج وكذلك الزراعة والبناء والتشييد. لهذا لا نجد أن المملكة لديها مشكلة سيولة لأن سيولتها كانت تعكس حقيقة اقتصادها ولم تكن مصطنعة. لم تكن هناك صناعة مال بالمال بالمعنى الذي تحدثنا عنه أعلاه. وعند مشاهدة مؤشر نمو القروض نجده متماشيا مع نمو الناتج المحلي في المملكة إلى حد ما أو أعلى بقليل. فيما كانت فقاعة سوق الأسهم الاستثناء، حيث كانت وتيرة نموه (أي السوق) أسرع بمراحل من نمو الناتج المحلي حتى وصلت قيمة السوق في الذروة (24/2/2006م) إلى ضعف الناتج المحلي للمملكة (أكثر من ثلاثة تريليونات ريال)، وكان من الطبيعي جدا أن تحصل فقاعة.
ما دامت تلك هي الصورة في المملكة، لماذا يتحدث الناس اليوم عن مشكلة سيولة لدى البنوك السعودية؟ البنوك ليس لديها مشكلة سيولة، بل على العكس من ذلك، فلا يزال مؤشر السيولة في تزايد شهري. نعم، ومع بداية الأزمة كان هناك خلل في الحركة النقدية نتيجة تعطل الدورة النقدية الكاملة بين الاقتصاد السعودي واقتصاديات العالم (أي حركة العملات ما بين الداخل والخارج) بعد أن توقفت إحدى حلقاتها في أمريكا والغرب تماماً كما هو معروف. وما لبث أن أعيد بعض التوازن عبر إجراءات سريعة بين البنوك ومؤسسة النقد معتمدين في ذلك على الاقتصاد بنسبة أكبر منها مع الاقتصادات الخارجية. وإنما يأتي شح التمويل مقارنة بالسابق لأسباب أخرى. وأول تلك الأسباب التي قد يكون (مسكوتا) عنها أو لم يتم التطرق إليها بشكل صريح هو الوضع المالي لرجال الأعمال والمنشآت التجارية والصناعية في المملكة اليوم بعد حدوث الأزمة المالية" العالمية"! فحسب تركيبة الاقتصاد السعودي، يرى البعض أن نحو 80 في المائة من حركة الأعمال "الحقيقية" تتركز في أيدي 20 في المائة فقط من أصحاب الأعمال والمنشآت (شبه احتكار).
وبحكم أن هناك بعض رجال الأعمال ومنشآت الأعمال من شريحة الـ 20 في المائة خسروا مبالغ بالمليارات عبر استثماراتهم المباشرة في "الأدوات المالية المهيكلة" التي كانت تسوق بشكل مباشر عبر دول إقليمية مجاورة لهؤلاء، أو لهم ارتباطات مع شركات استثمار عالمية بشكل مباشر. حتى أن بعض الأرقام التي ذكرت خلال قمة الكويت الاقتصادية قالت إن حجم الخسائر يقدر بحدود 2.5 تريليون دولار (2500 مليار ريال) (وبعض الأرقام يتحدث عن 1.5 تريليون ريال (أعتقد أن هناك مبالغة في تلك الأرقام، ولكن المؤكد أن هناك خسائر حقيقية بالمليارات عبر تلك الاستثمارات). وقد لا نستغرب إذا ما سمعنا أسماء طالما عرف عنها الثراء والنجاح في إدارة أعمالهم، أنها تعاني مشكلات مالية وقد تفلس! وهو الأمر الذي جعل القطاع المصرفي بات أكثر تشددا في الإقراض حسب متطلبات إدارة المخاطر. أما القروض ذات الطبيعة الصناعية والتجارية الواضحة التي تمثل شركات بمستويات شفافية عالية سواء قائمة أو حديثة النشأة، فلا أعتقد أنها تواجه مشكلة في هذا الخصوص. لكن الشركات نفسها تقوم اليوم بإعادة تقويم دراسات الجدوى التي بنت على أساسها مشاريعها أو حاجاتها التمويلية، لأن الأمور تغيرت وسوف تتغير بشكل دراماتيكي خلال عام 2009م. وأقل تلك الأمور معادلة تمويل المشاريع ما بين رأس المال والتمويل، التي أيضا مع الأسف صيغت بعقول غير محلية والله أعلم". انتهى الحديث.
ما ورد أعلاه هو ما ذكرناه في مقالنا المنشور قبل نحو خمسة أشهر من الآن. واليوم نحن نقرأ على صفحات الجرائد أسماء كبيرة ما بين أفراد "رجال أعمال" وشركات تواجه مشكلات بدأت اليوم واضحة، وهناك جدل كبير على هذه الأسماء وكيف يمكن أن تفلس؟ وقد علق بعض الإخوة في حينها قائلا " من تقصد!!"بطبيعة الحال لم ولن يكون بإمكاني التحدث عن أسماء لسبب بسيط، هو أني لا أعرف. ولكن ما أعرفه أن أموراً كثيرة كانت واضحة من خلال ما جرى خلال السنوات الخمس الماضية، منذ طفرة سوق الأسهم تحديدا. حينها، يوم بزغت أسماء ذات ثراء فاحش وحتى اليوم ! وكذلك انفتاح بعض الأسواق الإقليمية "المجاورة" وسهولة أن تفعل ما تشاء من أعمال بما فيها إنشاء بنوك. وقد تكون هذه السلبية أحدى أسباب ضرورة الاستعجال بالتكامل الخليجي لسد ثغرة مستغلة بشكل واضح!
لم يكن التوقع المذكور بسبب أني أمتلك ما لا يملكه غيري من المعرفة والدراية، ولن أمارس دور ( أبو العريف)، وهو الدور الذي يمارسه كثير (هواية) . لكنه، أي (التوقع) جاء من خلال استقراء ما جرى ويجري، وما يفعله رجال أعمالنا الأعزاء، وفعلا بتركيبة القطاع الخاص اليوم، علينا أن نكون حذرين جداً من قضية كون اقتصاد المملكة الخاص يملكه أقل من 20 في المائة من رجال الأعمال أو مسيطر عليه من قبل هذه النسبة. علينا للتأكد من ذلك الرقم قراءة كل قطاع ومن يملك ويدير ذلك القطاع. وهي بالمناسبة نسبة متحفظة، ففي بعض القطاعات دون ذكرها نستطيع أن نتحدث عن أقل من 10 في المائة فقط.
بطبيعة الحال هذه نتيجة طبيعية لعدم وجود آليات علمية لتوزيع الثروة بشكل واضح ابتداءً، ولا نملك أدوات إدارتها من خلال نظام ضريبي أو ما شابهه كون الاقتصاد لا يزال اقتصادا ريعيا. كما لا نمتلك رؤية واضحة حول آليات منع الاحتكار للحد من نفوذ بعض رجالات الأعمال أو الشركات الكبيرة المسيطرين و المسيطرة على قطاعات معينة مثل...! الأمر الذي يشكل مخاطر عالية على القطاع الخاص خصوصا مع التوجهات الواضحة بالاعتماد عليه في قيادة دفة التنمية خلال السنوات المقبلة! شخصياً، لا أعتقد أن القطاع الخاص اليوم مهيأ لقيادة أي تنمية مستدامة مخطط لها، لكنه جاهز لامتصاص أي فوائض فقط وفي اتجاه واحد! بحيث إن الحكومة تضخها والقطاع الخاص يمتصها. قطاع يضخ، وآخر يمتص. فوائض لا يتم تدويرها مرة أخرى في الدورة الاقتصادية، بل بكل أسف تخرج مباشرة منها إلى حيث لا نعلم! ومع ذلك هناك من يتذمر! كما لا توجد فائدة من سيطرة القطاع الخاص ما لم يكن هذا القطاع محرك للاقتصاد. وحتى يكون محركاً للاقتصاد عليه القيام بعديد من الإجراءات! فلا يهم كثيرا أن يحقق رجل الأعمال مليارات أرباح أو يخسرها دون أن يستفد اقتصادنا المحلي منه!! لا فائدة من (تضخم) (كروش) متضخمة (ربانياً)، و(انكماش) أخرى قدر لها الانكماش! أو هكذا تقول الرواية!
نحن نفهم، بل ونكبر للدول الغربية وبالذات الأوروبية الهبة الكبيرة في إنقاذ القطاع الخاص لديها ودعمه وإنقاذه من الإفلاس رغم الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها. لأنه هو محرك اقتصادات هذه الدول، ولأنه الموظف الرئيس لمواطني تلك الدول، ولأنه العقل المفكر لهذه الدول والمنتج. ولأنه المبدع لهذه الدول في ريادتها العالمية. ولأنه يشكل مصدر الدخل الرئيس لنفقات الحكومية في هذه الدول من خلال أنظمة الضرائب التي تعد الأداة الرئيسة لهذه الحكومات في إدارة دفة الاقتصاد. ولأن القطاع الخاص يقوم بمسؤولياته الاجتماعية على أكمل وجه، لكن لدينا وكما قال من أثق بقوله "لم يدفعوا الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام وابتكروا أساليب "للتهرب الزكوي" على غرار "التهرب الضريبي"، فهل تتوقع أن يدفعوا الضرائب لو فرضت"! تخيلوا، ثمة من (أسلم) التهرب والخداع والغش! تلك (زكاة)، وهذه (ضريبة)! ويستمر مسلسل التهرب تحت أسماء شتى!
ختاماً، علينا ألا نستغرب إذا ما سمعنا مزيدا من الإفلاسات لرجال أعمال أو شركات أراها وأعدها مفلسة فكرياً قبل أن تفلس مادياً. ويكفي أن نذكر أن جمعيات البر الخيرية بدأت تقرض قروضا حسنة لشركات مساهمة مفلسة منذ سنين، فعلى الراغبين من رجال الأعمال والشركات تقديم طلباتهم لتلك الجمعيات!!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي