الأزمة المالية العالمية.. ما الجديد?
لم يحمل لنا كبار المتحدثين والمختصين في الاقتصاد معلومات عن الأزمة العاصفة التي ألقت بظلالها على معظم دول العالم، ولم يكن منها سالم وإن اختلفت درجة الضرر من دولة إلى أخرى، فقد تكرمت جريدة "الاقتصادية" الرائدة (نادي الاقتصادية) بترتيب لقاء مع البروفيسور نوربت والتر Norbert Walter كبير الاقتصاديين في دويتشيه بنك للحديث عن الأزمة العالمية مساء يوم الأحد 24 أيار (مايو) 2009، كما قامت السفارة الأمريكية مشكورة وبدعوة من السيد ديفيد راندل القائم بأعمال السفير بترتيب محاضرة للدكتور جوش ليرنر Josh Lerner من جامعة هارفرد (بروفيسور الاستثمار المالي والبنوك في كلية جاكوب جامعة هارفرد) وكان الأصل في الدعوة اجتماع لشباب مديري المستقبل، وهم جمع كريم من الشباب السعودي المختص في مختلف المجالات، وسأتناول باختصار ما تم التعرض له في المحاضرتين.
الدكتور البروفيسور نوربرت كبير الاقتصاديين في مجموعة دويتشيه بنك – أكد أن المشكلة ليست حصرا على أمريكا مع أنها من أشد المتضررين وإن كانت المشكلة قد بدأت في أمريكا وبدافع الجشع والطمع لبعض موظفي البنوك الاستثمارية الذين استطاعوا في السنوات الماضية من تعليب قروض الإسكان بطريقة فنية معقدة وبيعها في داخل أمريكا وخارجها وهو ما تولد عنه المشكلة المعروفة بقضية القروض العقارية، وكان السبب الثاني والمهم هو ضعف أنظمة الرقابة والمسؤولين المراقبين وضعف الإجراءات والأنظمة والوسائل الرقابية وغيابها تماما في كثير من الأوقات، كما أن تساهل السيد قرين سبان محافظ البنك المركزي الأمريكي السابق ساعد هو الآخر على بزوغ هذه المشكلة التي يرى أنها ثاني أكبر مشكلة عويصة يتعرض لها العالم بعد مشكلة الثلاثينيات، حيث قدم السيد قرين سبان كثيرا من النقود للسوق مع سعر فائدة منخفض – والحقيقة الماثلة للعيان (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) فعندما يشعر الإنسان أنه غني فإنه يبدأ في الاقتراض والتوسع وشراء أشياء غير ضرورية كالطائرات – سيارات – يخوت – بيوت خارجية – زواج. بعض هذا الكلام من عند البروفيسور وبعضه من عندي، فأنا أعتمد على الذاكرة – اليابان وألمانيا أقنعتا نفسيهما بأنهما محميتان من هذه الأزمة فلديهما أوامر شراء كثيرة لسياراتهما وتلفزيوناتهما وبضاعتهما، كما أن بعض الصناع الكبار للطائرات مثلا شعروا أن لديهم حجوزات كثيرة، ولم يرد في الاعتبار أن الحاجزين سيتأخرون في الدفع أو يقومون بإلغاء أوامر الشراء – لقد قام كثير من الدول بوضع حوافز اقتصادية بتخفيض الضرائب في ألمانيا ووضع حوافز لتبديل السيارات القديمة بأخرى جديدة – كما تقوم فرنسا بدفع الفواتير في ستة أيام بدلا من ستة أشهر – كما أن الدول المعتمدة على التصدير والموانئ الجوية والبرية مثل الصين – الهند – البرازيل – المكسيك – ماليزيا – سنغافورة، ستتأثر ولن تكون البنوك قادرة على مد حبل الحياة لهذه المرافق والمصانع والمصدرين – كما أن نسبة النمو الاقتصادي ستنخفض بشكل كبير في أمريكا وأوروبا – كما ستكون البلدان النامية ومنها الصين والهند والبرازيل والمملكة العربية السعودية وأبو ظبي وبعض الأسواق الناشئة أقل تأثرا في نموها الاقتصادي، ولعل المشكلة قد أضرت كثيرا باقتصادات معينة مثل دبي وأيرلندا وأيسلندا وروسيا الاتحادية – أما بعض الدول الناشئة فسيكون التأثير فيها أقل.
2010 وما بعده
سيحاول الرئيس أوباما أن يغير العالم بالتعاون مع قادة العشرين وستعود دول مثل الصين والهند والبرازيل إلى النمو كما أن العلاقة بين الدولار والعملات الرئيسية اليورو والين ستكون بين شد وجذب وسيحاول اليورو أن يكون سعره أفضل، حيث يوجد كثير من الدولارات في العالم الذي يحتفظ بأكثر من 70 في المائة من احتياطياته بالدولار – كما أن التضخم الذي رافق النمو السابق سيختفي لعدة سنوات، إلا أن المشكلة وهي الأعوص خلال الثمانين سنة الماضية لن تذهب عنا سريعا بل ستظل معنا لسنوات، وهذه الأزمة المتشابكة لن تكون في صورة الأزمة العالمية الماضية، حيث إن العالم أصبح قرية واحدة، فحين تعطس الولايات المتحدة يصاب العالم بالزكام – وهذه في الواقع أمست أزمة عالمية تضررت منها بصورة كبيرة دول الصادرات – اليابان- ألمانيا- الصين- الهند- سنغافورة- البرازيل- المكسيك، إلى آخر القائمة. صحيح أن قادة العالم السياسيين قد أجمعوا على الإنقاذ عند عقد مؤتمر العشرين، المتوقع عقده مرة أخرى في أمريكا في شهر أيلول (سبتمبر) 2009، فالاقتصاد العالمي يمر بنقطة مرحلية مهمة وربما تستيقظ الولايات المتحدة من مشاكل بنوكها وسياراتها وبعض صناعاتها الكبرى والطائرات.. إلخ، لتقود العالم مرة أخرى إلى التعافي – كما أن الصين ستتغاضى مرة أخرى عن فساد البيئة لديها لتعيد عجلة التصنيع الهائلة والتصدير إلى دورانها السابق ولكن بنسبة نمو أقل.
هل تأثرنا؟
نسمع كثيرا من الآراء أننا لم نتأثر أو أننا من أقل دول العالم تأثرا، وفي هذا شيء من الصحة ولكن التأثير عام وانخفاض أسعار البترول وشح السيولة العالمية وتردي أسواق الأسهم المحلية والعالمية تشير إلى أننا تأثرنا وسنرى هذا التأثير لفترة قادمة – أما حديث البروفيسور جوش ليرنر Josh Lerner فقد دار تقريبا في السياق نفسه الذي يبدو أنه اتفاق عام على المشكلة وصعوبتها وبقائها حوالينا لفترة زمنية، إلا أن انتعاش التجارة العالمية سيكون حافزا لعودة دوران عجلة الاقتصاد، كما أن ارتفاع أسعار البترول سيقود إلى تحسن سوق الأسهم والشركات القيادية كالبنوك والبتروكيماويات.
والله الموفق.