أهداف التراشق الإعلامي بين إيران وإسرائيل
يحتار المرء عند ما يُشاهد هذا الضجيج الإعلامي المتبادل بين الدولة اليهودية والحكومة الإيرانية تجاه البرنامج النووي الإيراني والشكوك التي تثيرها إيران حول تعرُّض اليهود لما يُسمى بالهولوكوست على أيد النازيين الألمان. فإسرائيل تدَّعي أن برنامج إيران النووي يرمي في النهاية إلى صُنع قنابل ذرية تُهدد أمنها. وإيران تظهر عداءً مُبالغا فيه تجاه الدولة اليهودية وتستبعد وقوع الهولوكوست بالصفة التي يتحدث عنها اليهود. ونحن بدورنا نتساءل، ما هو هدف إيران من إظهار العداء للدولة الصهيونية التي تبعد عن حدودها آلاف الكيلومترات؟ وما مصلحة إيران من تدمير إسرائيل المشؤومة؟ وهل هو فعلاً كما تدعي من أجل عيون شعب فلسطين العربي المناضل، فالكل يعرف أن السياسة الإيرانية لا تكنُّ وُدًّا كثيراً للعرب مهما كانت مذاهبهم وانتماءاتهم السياسية والاجتماعية؟ وهناك منْ يعتقد أن نشاط إيران في المنطقة، وعلى وجه الخصوص تجاه إسرائيل، هو جزء من مخططها الإقليمي لتوسيع مدار تأثيرها المذهبي والسياسي في المنطقة العربية. وربما أن نشاطها ضد إسرائيل، التي تربطها بأمريكا علاقات متميزة، هو أيضا نوع من التحدي للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، تستخدمها إيران كوسيلة للضغط على أمريكا حينما يحين وقت أي لقاء تفاوضي بين الطرفين. ولو كان ظاهر العداء الإيراني مُوجًّهاً ضد بلد مثل تركيا، لقلنا إنه صراع إقليمي بين قوتين ذواتي نفوذ مؤثر في المنطقة. ولكن ذلك لا ينطبق على إسرائيل، فهي أحقر من أن تطمح لتكون قوة إقليمية.
أما إسرائيل التي لا تزال تثير ضجة إعلامية ملأت الآفاق احتجاجا على قيام إيران ببنائها المفاعلات النووية، واتهامها لها أن الغرض الرئيس من تطوير قدراتها النووية هو مقدمة لصنع القنابل الذرية التي ربما تُهدد الدولة الصهيونية، فهي أول منْ يعلم أن إيران ليس لديها نية حقيقية لضرب إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف، لسبب بسيط، وهو أن أرض فلسطين يسكنها اليهود والفلسطينيون معاً. فلا يجوز أن يكون لدى إيران مخططات لضرب دولة إسرائيل بقنابل ذرية تأتي على الرطب واليابس. ولم ُيذكر أنه كانت هناك عداوة عبر التاريخ بين اليهود والفرس، ثم لا ننسا أنه كانت لدولة إسرائيل مكانة خاصة في إيران خلال حكم الشاه الذي انتهى بقيام الحركة الخمينية. ومن الواضح أن إسرائيل بتصرفاتها مع القضية الإيرانية وانشغالها بإثارة الشكوك حول النوايا الإيرانية ما هو إلا محاولة يائسة لإشغال المجتمع الدولي عن القضية الفلسطينية. فعند ما ذهب رئيس الدولة الصهيونية، بيبي نتنياهو أخيرا إلى الولايات المتحدة، حاول بقدر ما يستطيع أن يصرف انتباه الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن التركيز على قضية فلسطين، وكان يلح على التحدث عن الخطر الإيراني الذي بزعمه يُهدد أمن إسرائيل. ولم يُظهر لأوباما أي رغبة جدية لإيجاد مخرج من الوضع القائم في الأراضي المحتلة. واليهود يُدركون أن الوقت يمضي لصالحهم، ولذلك فهم ليسوا في عجلة من أمرهم لبدء محادثات جادة مع الفلسطينيين.
والذي لا جدال فيه هو أن للحكومة الأمريكية مصالح استراتيجية واقتصادية ووجودا عسكريا مكثفا في منطقة الشرق الأوسط، ولا ترى أنه في صالحها أن تمتلك إيران سلاحاً نووياًّ ربما يُهدد وجودها في المنطقة، وإن كان ذلك في نظرنا بعيد الحدوث. وقد حاولت الولايات المتحدة التعامل بشتى الطرق الدبلوماسية مع الحكومة الإيرانية لإقناعها بالتخلي عن تطوير قدراتها النووية، ولكنها لم تُفلح في ذلك لأن إيران مصممة على المضي في برنامجها الاستراتيجي الذي يخدم مصالحها القومية. ولأن أمريكا تدرك أن استخدام القوة العسكرية لتدمير المرافق النووية الإيرانية ربما تنجم عنه عواقب وخيمة تطول أطرافاً أخرى في المنطقة، عدلت عن التفكير في استخدام القوة، ومن المحتمل أنها قد أعطت الضوء الأخضر لربيبتها إسرائيل لتبدو وكأنها مخلب قط لأمريكا في هذا المجال. وقد أحسنت إسرائيل لعب الدور بافتعالها الخوف من السلاح النووي الإيراني. وإذا كانت الدولة الصهيونية فعلاً تمتلك القدرة النووية، كما يُروِّج لها الإعلام، ولديها ما يزيد على 200 قنبلة ذرية، فما الذي يخيفها من إيران وهي تستطيع إبادة الدولة الإيرانية عن بكرة أبيها بجزء مما تمتلك من القنابل الذرية؟ ومرة ثانية نقول إن إسرائيل تريد من ذلك التراشق الإعلامي مع إيران فقط صرف أنظار العالم عن القضية الفلسطينية لكسب الوقت لصالحها.
ولعل أطرف ما نقله لنا الإعلام، ما يردده نتنياهو وتُصرِّح به وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون من أن إسرائيل والدول العربية متفقة على معارضة البرنامج النووي الإيراني، وهو إيحاء يُقصد به أن هناك تقاربا في وجهات النظر بين العرب والعدو الصهيوني حول هذه القضية، وهو مما يُضيف إلى شرعية موقف إسرائيل. ونحن لا نشك في أن الدول العربية المجاورة لإيران لا تشعر بالارتياح من قيام إيران بامتلاك أي نوع من أسلحة الدمار الشامل، ولكن في الوقت نفسه لا نرى بالضرورة أن ذلك يُمثِّل اتفاقاً مع سياسة دولة إسرائيل. وكان الأولى بقياديي الحكومة الصهيونية أن يبدأوا بأنفسهم ويُزيلوا الظلم الفاحش الذي أنزلوه على الشعب الفلسطيني الأعزل منذ أكثر من 60 عاماً، وهو أمر واقع وليس مجموعة أوهام.
وإمعاناً في التضليل من جانب إسرائيل، نقرأ كثيراً عن نية واستعداد الدولة الصهيونية لمهاجمة المرافق النووية الإيرانية، وتحديداً قبل نهاية العام الحالي. والكل يعلم أن مهاجمة الأراضي الإيرانية من قِبَل إسرائيل التي لا تشترك معها بحدود مباشرة سيكون أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً. فأي دولة تسمح بمرور الطائرات الإسرائيلية المهاجمة فوق أراضيها ستعتبرها إيران دولة معادية تتحمل تبعات مساندتها للدولة المعتدية. ولو فرضنا جدلاً أن إسرائيل تستطيع الوصول إلى الأهداف الإيرانية، فإن ذلك سيتطلب استنفار جميع ما تملك من الطائرات والمعدات المساندة، وستُعرِّض قواتها المهاجمة لصدِّ قد يكون عنيفاً من الطائرات والدفاعات الإيرانية. ولو ارتكبت إسرائيل مثل هذه الحماقة فسينجم عنها توتر خطير في منطقة الشرق الأوسط، ربما يَطول طرق الإمدادات النفطية من الخليج.