رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل فهم أنماط حياة الفيروسات يعيد بناء الخطط الصحية؟

قد يتساءل الكثير عن مدى تقاعس الأمم عن محاربة الأمراض المعدية ومسبباتها حيث أصبحنا نقلق من خبر انتشارها، وما تتركه من آثار في المجتمعات الدولية. إضافة إلى ذلك، تزيد مخاوفنا، إذا ما اكتشف نوع جديد طبيعيا أو معمليا في أي مكان من العالم. إن مفهوم الخطورة لدى الكثير تعني الإصابة بالمرض بكل بساطة فتلزم المصاب السرير ومن ثم تؤدي إلى وفاته في النهاية. في الواقع هذا ما لا يحدث عند زيارة الإنفلونزا لنا في العام أكثر من مرة ولكن لأننا اعتدنا عليها فنواجهها بالراحة والسوائل والغذاء المنظم وتمر ونعود لنمارس الحياة طبيعيا، فلماذا لا يكون هذا الوضع في هذه الأيام؟. نحن في المملكة ولله الحمد بعيدون عن خطورة إنفلونزا الخنازير (وليس الإصابة بها)، إلا أن الحذر والاحتراز يوجبان علينا بذل كل ما في وسعنا أينما كنا وبأي وسيلة متاحة كانت، القيام بمسؤولياتنا كمجتمع وتسهيل عمل المسؤولين في كل اختصاص من المؤسسات المدنية الخدمية. إن ما ظهر كتقاعس لا يمكن أن يفسر كذلك ولكن يمكن تفهم الأسباب التي تمنع تقدم كثير من دول العالم في مواجهة الوباء بشكل منظم.
اقتصاديا قد نرى في الدول الغنية أو القادرة مثلا رصد المبالغ أولا بأول واتخاذ كل المحاذير لحماية الناس، ولئلا يسمح للوباء بزيادة انتشاره بأي شكل كان والتسبب في خسائر فادحة. بعكس دول أخرى حيث المخصصات أصلا لا تغطي تقديم الرعاية الأساسية والجوائح المرضية عادة ما تستنزف المخزون. على المستوى الفردي، في كثير من انحاء العالم الفرد مجبر على التوجه إلى عمله لضمان وظيفته وبالتالي إذا ما أصيب أو مرض فملازمته المنزل أو غيابه ستبقيه عاطلا فيصاب في دخله كما هو مصاب في بدنه وتصبح كارثتين. مع كل المفارقات التي يمكن ذكرها، ما يهمنا هو إذا لم تكن هناك خطط وسياسات وإجراءات مسبقة بين المؤسسات المدنية محددة المسؤوليات والمهام، ومعلومة توقيت زمن التدخل في الظروف المختلفة، ومقننة كيفية الإنفاق، وتعمل تحت مظلة محددة فإن الارتباك هو أفضل وصف لردة الفعل في أي أزمة. لتوضيح ذلك: لو أخذنا في وضعنا اليوم توافر كفاءات بمستويات مختلفة في التخصصات العلمية غير الطبية مثل علم الحشرات الطبية والأحياء الدقيقة بمختلف فروعها والطفيليات والوراثة بمختلف فروعها والتقنية الحيوية ولم يستفد منها، أو لدينا قنوات فضائية أو نمتلك في عديد منها حصصا كبيرة ولم تسخر لبرامج التوعية ونشر الجديد في هذا البحث أو ذاك، أو لم يتفاعل المدرسون في متابعة نظافة الطلاب بعمل تمثيلية قصيرة في حصص تخصص يوميا لذلك، فإن تساؤلات عديدة يمكن أن تبرز هنا. من أهم هذه التساؤلات: هل يتحتم علينا مراجعة الخطط الصحية نتيجة انتشار فيروس؟. أين ومتى تقوم البنوك ومؤسسات القطاع الخاص, بدورها تجاه المجتمع فعليا؟.
صحيا، منظمة الصحة العالمية تتوقع أن تكون حمى الضنك Dengue Fever الأسوأ بين الأمراض المعدية سريعة الانتقال وشديدة أو حادة الفتك، لأن إمكانية إصابة نصف العالم به واردة إذا لم تتخذ إزاءه الإجراءات اللازمة. وبما أنه لا يوجد له أي مضاد أو عقار أو علاج فإن إصاباته ستكون مؤثرة على مستوى العالم. في الواقع رصد حالات إنفلونزا الخنازير، وهي تتزايد في دول لم تكن من أفضل البيئات لفيروس الضنك، قد تغير بعض المفاهيم من حيث نمط حياة الفيروس بسرعة الانتشار وحدة الفتك، لأن الأمراض المعدية -المسببة بفيروسات - تقل انتشاراً وحدةً في الصيف. هذا يجعلنا نتعاون مع بعض الدول (قد تكون سنغافورة لامتلاكها مخزونا معلوماتيا كبيرا عن حمى الضنك)، لكي نصل لقناعة علمية في مواضيع مهمة مثل هذه، ولنكون متفاعلين مع الحدث آخذين في الحسبان حرارة الطقس والبيئة. أليس هذا بالتالي مدعاة لإعادة النظر في كيفية التعاون في مثل هذه القضايا؟. اما داخليا فلو اننا تجمعنا في طوارئ المستشفيات عند الهلع فهل هذا دلالة على تنفيذ الخطط كما ينبغي ودلالة على إننا مجتمع معرفي؟.
رياضيا أو حسابيا، تلجأ المنظمة أيضا إلى رفع مستوى الإنذار أو الخطر، بناء على ما يرد من معلومات عن حجم الانتشار والإصابة وحدة الحالات، ونمط الإصابة بالفيروس أو الجرثومة بصفة عامة. فهل يمكن أن نستفيد من المبرمجين والرياضيين والإحصائيين ومحللي البيانات من أبنائنا وعلمائنا في رصد الحالات كل 12 إلى 24 ساعة في المناطق الجنوبية بالمملكة (فيما يتعلق بالملاريا والضنك والشيستوسوما وغيرها) ليكون لنا كتمرين يرسم خريطة محلية تحجم مشكلتنا داخليا وتجعلنا نبدأ في ابتكار ما لم نكن نتوقعه في مواجهة الأمراض المعدية الحالية أو ما يمكن أن يستجد منها (لا قدر الله)؟. إن بعض الدول تمكنت من إيقاف انتشار إنفلونزا الطيور Bird Flu بعد فهمها لحركة ونمط معيشة وانتقال بعض السلالات Strains من الفيروس وقد أثبتت الدراسات العلمية ذلك، فهل يمكن أن نصمم برنامجا يجعلنا نتفوق على الفيروس بعد فهم تفاعله مع الأجسام المضادة، لنحدد ما إذا كنا قادرين كغيرنا على تطوير تركيبة أفضل للقاح جديد أو دواء ناجع؟
آمل فعلا، إن كان هناك أي توجه لتعديل خططنا التنموية في المجالات المختلفة، أن نعجل في إعداد قاعدة بيانات للمتخصصين في جميع المجالات وأماكن أعمالهم... إلخ. ومن ثم مبادرة الجهات المختصة في كل شأن بالتواصل معهم، بشكل موجه وسريع ومنظم حتى نستفيد منهم، في تحسين مساراتنا لارتقاء أعلى قمم العلم ـ بإذن الله ـ. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي