ولا كلمة شكر واحدة تعبر عن الامتنان
صرَّح المهندس علي بن إبراهيم النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية منذ عدة أيام، قائلاً: إن سعر برميل النفط المتدني الحالي، وكان في حدود 50 دولاراً للبرميل، نعتبره مساهمة السعودية في تعافي الاقتصاد العالمي. وهو كلام جميل من بلد خيِّر و يُعبِّرُ عن حسن النية والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع الدولي وعن قبول التضحية من أجل الصالح العام. وهذا الموقف الكريم من السعودية يدحض ادعاء المغرضين في الولايات المتحدة وفي البلدان الأوروبية أن العرب لا همَّ لهم إلا ابتزاز أموال الآخرين، وإننا نحن دول الخليج وراء ارتفاعات أسعار النفط، وهو قول مرفوض ومردود على أصحابه. وقد تنامت مثل هذه الأفكار والمقولات على وجه الخصوص في الإعلام الأمريكي بسبب وجود فئات معينة من المجتمع هناك تسيطر عليها مجموعات ذات مصالح خاصة ليس من بينها الولاء لوطنهم الولايات المتحدة. وما زلنا نذكر ذلك الأمريكي "الخبَل" الذي ظهر منذ عدة أشهر في وسائل الإعلام وهو يشير بيديه إلى لوحة علَّقها بجانب محطة وقود يظهر أنه كان يملكها، وقد كتب عليها "نحن لا نبيع نفط العرب" وهو بطبيعة الحال لا يعلم أن معامل التكرير هناك تخلط في صهاريج التخزين خامات النفط من مصادر مختلفة من فنزويلا والمكسيك وكندا والخليج العربي. والشاهد هنا أننا لم نسمع من أولئك الذين نُضحِّي بمصالحنا من أجل رفاهيتهم وتحسين أوضاعهم المالية والاقتصادية ولا كلمة شكر واحدة تُعبِّر عن الامتنان لما تفضل به الوزير. وهم يعلمون جيِّداً أنه كان بإمكاننا لو أردنا أن نُخفِّض الإنتاج قليلاً فتعاود الأسعار الصعود إلى مستويات عالية، على الرغم من استيطان الأزمة المالية في كثير من بلدان العالم. ولكنها الأخلاق الطيبة التي منَّ الله بها علينا ورغبتنا في مساعدة الآخرين، مقارنة بأخلاقهم ذات المعايير غير العادلة، ونحن نعلم أن معظم تلك الدول أكثر ثراء منا ومستقبل اقتصادهم أكثر أماناً من اقتصادنا.
ولم يقتصر أمر علاقاتهم معنا على ردود فعل سلبية ضد العرب أو ما يشيرون إليه بنفط العرب، من الأفراد العاديين في المجتمع الأمريكي، بل إن مثل هذا التعبير كان يصدر أيضا من مسؤولين كبار، وخصوصا من مرشحي رئاسة الحكومة أثناء حملة الانتخابات العامة. فكنا نسمع ونشاهد تعليقاتهم وانتقاداتهم للدول العربية المصدرة للنفط، واتهامهم لنا بأننا طرف في حدوث الكوارث الاقتصادية في أمريكا وفي العالم بسبب احتكارنا إنتاج النفط ـ حسب زعمهم، وهو كلام فارغ تعودنا على سماعه خلال تلك المناسبات. وبمجرد انتهاء الحملات الانتخابية وتسلم الرئيس مهام الرئاسة يعود إلى رشده ولا نراه يكرر ما كان يُردده من اتهامات تجاهنا تجانب الصواب. ويستنتج المرء من صدور هذه التصرفات من جانب بلد مثل أمريكا أنه تصرف أقل ما يُقال عنه إنه أحمق. فأمريكا تُصدِّر إلينا ملايين السيارات ومئات الطائرات ومختلف قطع السلاح وأنواعا لا حصر لها من البضائع الأخرى، قيمتها تُقدَّر بمليارات الدولارات، ندفعها لهم نقداً. فلماذا يستكثرون علينا عرض بضاعتنا عليهم بأسعار يُحددها العرض والطلب؟ ألم نقل إن هناك أيدي خفية تحاول دائماً الصيد في الماء العكر وإفساد العلاقات بين البلدين؟ ولو فرضنا جدلاً أن أمريكا استغنت عن نفطنا فهناك الكثيرون الذين يودون الحصول عليه، حيث وصلت كمية الاستهلاك العالمي إلى قريب من مستوى الإنتاج الكلي، مما يعني أن أيَّ كمية من النفط تصل إلى السوق النفطية ستجد منْ يشتريها بصرف النظر عن مقدار الأسعار السائدة.
وتصريح الوزير، على الرغم من جدِّ يته وأهميته إلا أنك لا ترى له تأثيراً إيجابيا عندهم ولم يحرك ساكنا عند إعلامهم الذي لا يترك شاردة ولا واردة. بعكس لو أن التصريح كان يعني خفض الإنتاج لمنع تدهور أسعار النفط إلى مستويات أدنى من السعر الحالي، لكانت قامت قيامتهم ووصفونا بأبشع الأوصاف من الجشع والاستغلال. أما أن نقول خيراً ونعمل على ما يعود على مصالحهم بفائدة كبيرة فذلك أمر ليس له أهمية عندهم وكأنَّ ما قمنا به هو حق من حقوقهم، ولا يودُّون أن يعبِّروا عن رضاهم وتقديرهم لما تفضل وصرح به الوزير. ونرجو ألا يَفهموا أن القصد من استعداد المملكة للتضحية ببعض ما يخُص مصالحها من أجل المساعدة على إنعاش الاقتصاد العالمي، أنه جزء من مُخطط للحيلولة دون التجاء الدول الصناعية إلى إيجاد مصادر بديلة للطاقة النفطية، وهو موضوع يُكثرون من إثارته من وقت إلى آخر في وسائل الإعلام. ولكننا أيضا نعلم أن الادعاء بإمكانية إيجاد وتطوير مصادر جديدة للطاقة تنافس النفط أمر غير وارد خلال العقود القليلة المقبلة. وإذا بقدرة الله أوجد العالم مصادر لتوليد الطاقة غير المصادر النفطية وأصبحت مقبولة من الجميع، فنحن نرحب بها حتى مع وجود النفط، كما أوضحنا وبينا في مناسبات سابقة لأن هذا الحدث يصبُّ أيضا في مصلحتنا، وإن ظنوه غير ذلك.