الاقتصاد الخليجي والسوق المشتركة نظرة متفائلة
تحركات قوية تشهدها السوق الخليجية المشتركة بين الدول الست بهدف الوصول إلى الترابط في المجال التجاري لينمو كسوق عالمية كبرى وليعود بالنفع على مواطنيها ويفيض ليوظف مواطني دول عربية وأجنبية، حيث ستهيئ السوق لها فرص عمل كبيرة. وقد أخذ القرار أكثر من خمس سنوات للخروج على النور. وسبقها قرارات أخرى تمهيدية، ولكن هذه المرة تم السماح لجميع مواطني الدول الست بتملك العقار والأسهم ومزاولة الأنشطة التجارية وفق سياسات وأنظمة موحدة في المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية والمالية، وأن يعامل مواطنو دول المجلس في أي دولة خليجية نفس معاملة مواطنيها دون تفريق أو تمييز في مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية التي تشمل ممارسة المهن والحرف, وتداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات, والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية, والمساواة بشأن التأمين الاجتماعي والتقاعد وتملك العقار وتنقل رؤوس الأموال والمعاملة الضريبية والإفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.
وقد يكون ذلك ليس بالأمر الجديد علينا ولكنه استجد بصورة رسمية وكثر شفافية وتنظيما. فالأسواق الخليجية كانت مفتوحة للخليجيين في معظم الدول ما عدا السعودية التي كانت لها تحفظاتها. ولكنها بصورتها الجديدة وإن كانت الأزمة الاقتصادية الحالية أخذته حقها في زعزعة الاقتصاد الخليجي إلا أنها تعتبر فرصة لغربلة السوق وتصفيتها من الشوائب أو المتطفلين. وحتى الأزمة الأخيرة التي فجرتها دولة الإمارات والتي كانت دائماً بعيداً عن الدخول في زعامات لن تؤثر كثيراً وقد تعدل عن رأيها. والسوق الخليجية متوقع لها أن تسترد عافيتها لتكون سوقا قوية ولها سيطرتها الاستراتيجية على الاقتصاد العالمي. وذلك لأسباب عديدة أهمها: - نمت التجارة بين دول المجلس خلال السنوات الـ 25 الماضية إلى حدود 34 مليار دولار في عام 2005م وتعدت 70 مليارا في نهاية 2008م مقارنة بـ 12 مليار دولار في عام 1980م. ومتوقع لها أن تصل إلى 300 مليار دولار خلال السنوات الـ 20 المقبلة.
- يتعدى الناتج المحلي الإجمالي الحالي للدول الأعضاء في المجلس 900 مليار دولار.
- إنها تمتلك 50 في المائة من احتياطيات العالم من النفط والغاز.
- تشابه كبير في اقتصادات الدول الست وثرواتها الوطنية.
- كثافة سكانية تصل إلى حدود 40 مليون نسمة.
- تجانس كبير في العادات والتقاليد والأصول القبلية واللهجات.
- قوة شرائية عالية ومعدلات دخل مرتفعة مقارنة بجيرانها.
وقيام السوق سيساعد على رفع معدلات النمو الاقتصادي والناتج المحلي, وسيساعد أيضا على جذب الاستثمارات الأجنبية وإيجاد فرص عمل جديدة وخلق روح المهنية لمواطني الدول تدريجيا. وذلك سيكون له إيجابياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما أنه كلما كبر حجم السوق كانت هناك القدرة على منافسة المنتجات الأجنبية مما سيشجع على تطوير شركات المنتجات الخليجية.
وتعد الخطوة الحالية لمحاولة الاتفاق على عملة موحدة للسوق واختيار مركز مالي مثلما قامت به أوروبا بعملة اليورو من أهم الخطوات التي تمهد الطريق لذلك. والخلاف على المركز يجب ألا ينظر إليه على أنه ميزة لدولة، فمازالت هناك مراكز أكثر أهمية لمراقبة السوق وتنظيمها والإشراف عليها وعدة مراكز أخرى للتجارة وربطها بالعالمية وسيتم توزيعها بالتساوي على دول المجلس. وهذا سيسهل حرية انتقال رؤوس الأموال والسلع والخدمات وتعزيز التبادل التجاري بين تلك الدول.
ويبقى العامل أو السؤال الوحيد الذي قد يربك تلك الاقتصادات وهو تعدد واختلاف مصالح كل دولة والخلافات السياسية. فكيف ستواجه دول المجلس التحديات الاقتصادية والسياسية؟ أو التوجهات غير الواضحة لبعض تلك الدول، ومدى تأثر كل دولة بالقوى الدولية والمعسكرات السياسية والمصالح الأخرى؟ وكلما ابتعدت دول الخليج عن المهاترات السياسية ومحاولة التنافس لأخذ الدور الريادي سياسياً أو تقمص دور الدول العظمى كتب لها إنعاش اقتصادي أكبر.
وحتى بعد انحسار الأزمة فإنه من المتوقع أن يكون هناك ارتفاع في معدلات التضخم في الخليج بعكس ما سنراه عالمياً من انخفاض في التضخم. وهذه الظاهرة العالمية سيكون تأثير سلبي علينا لأن تلك الدول سترمى بحلولها للتضخم علينا. ولكن هذا الارتفاع ستتم موازنته بالتدخل لرفع معدلات الدخل التي مازالت تعد منخفضة مقارنة ببقية دول العالم، وقد حان الوقت أن تكون دخول المواطنين متقاربة مع غيرهم من مواطني دول العالم. ومما لا شك فيه أن دول الخليج وبعد السوق المشتركة ستكون سوقا ناضجة وستخلق عديدا من الفرص وخاصة في قطاعي البتروكيماويات والعقار والسياحة.
ولكن السوق بالرغم من تعثرها بمعوقات لإغنها فإنها لم تتأثر كثيرا مقارنة بغيرها من الدول، بل إنه كان هناك ارتفاع كبير ومذهل للسنوات الماضية. والهبوط الذي نراه اليوم يعتبر حركة تصحيحية. وخاصة في الاستثمار العقاري وهو ظاهرة صحية للاقتصاد الوطني فالاستثمار العقاري هو إحدى أهم القواعد الاقتصادية للمملكة، ويمثل 13 في المائة من الناتج المحلي و30 في المائة منه من دون النفط. ويقدر حجم الاستثمار فيه سنوياَ بآلاف المليارات. ويرتبط بالاقتصاد الأساسي للدولة كما في معظم الدول ارتباطاً وثيقا لدرجة أنه عامل مؤثر في رفع أو تخفيض سعر الفائدة في البنوك. الاستثمار العقاري هو محرك للاقتصاد في جميع دول العالم الحديث. ويمثل عادة ما بين 10 و20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي GDP. وقد زادت فرص العمل في القطاع في المملكة خلال السنوات العشر الماضية من 20 ألفا إلى أن وصل حاليا حدود 70 ألف موظف. وما يقارب 700 ألفا في التشيد والبناء. لذلك فإنه من الأجدى لنا أن نحرر هذا القطاع من لجامه وأن يتم الإسراع بإكمال الحلقات أو الآليات التي تحد من انطلاقته وهي:
1 - الإسراع في نظام الرهن العقاري.
2 - الإسراع في اعتماد كود البناء السعودي الذي تأخر أكثر مما يجب.
3 - الإسراع في اعتماد نظام التسجيل العيني للعقار لحل مشكلات ازدواجية الصكوك ولتسجيل المباني على الأراضي.
4 - نظام وقانون لحماية المستثمر العقاري ممن لا يدفعون العقار ولا يمكن إخلاؤهم من العقار الذي يجعل المستثمرين يحجمون عن بناء المساكن.
5 - الإسراع في إنشاء هيئة لأبحاث ودراسات الإسكان والبحث العلمي المتخصص في الإسكان.
6 - الإسراع في إنشاء بنك للمعلومات العقارية والإسكانية وعلاقتها بالخصائص السكانية والديموغرافية والمعلومات الهندسية.
7 - الإسراع في تكوين شركات التمويل وخاصة المدعومة من الدولة لحل مشكلات الإسكان للفئات غير القادرة عليه.
8 - نظام التأجير المنتهي بالتمليك.
9 - وضع مخططات شاملة للمدن تعتمد أسلوب الأحياء المتكاملة من الخدمات وتخصيص أجزاء منها لتكون بأسعار ميسرة للمواطنين.
10 - تحديث نظام الصندوق العقاري والرفع من قدراته ليشارك مع بعض البنوك المحلية لمضاعفة قيمة القرض الحالي وهو و300 ألف ريال الذي يعجز عن توفير المسكن. وأن يتم أيضاً زيادة القرض ليشمل قيمة الأرض (أرض وقرض).
11 - إنشاء شركة عقارية مساهمة متخصصة في بناء المساكن وبكميات كبيرة في مواقع مختلفة من مدن المملكة. وأن تقوم هي بتطوير الأراضي وتوفير الخدمات ثم البناء عليها لأحياء متكاملة. ومن ثم توزيعها على المحتاجين وفق قروض ميسرة.
12 - إعداد دراسة لعدد السكان لكل شريحة من شرائح الطلب على الإسكان. كم عدد محدودي ومتوسطي الدخل الذين نحاول أن نسدد ونلبي رغباتهم حاليا ومستقبليا.
13 - تحديد مواصفات قياسية موحدة لمواصفات البناء وبحيث تكون مقاسات الأبواب والنوافذ والمقابس والوحدات الميكانيكية والصحية وحتى الحوائط والأسقف، وغيرها موحدة وبذلك يسهل ويرخص توفيرها، مما يقلل تكلفة البناء.
14 - إيجاد تكتلات عقارية واندماجات بين الشركات المحلية والعائلية.
15 - تسخير ميزانية للبحث العلمي ومراكز الأبحاث وخاصة الإسكان.
16 - الاستفادة من دخول الشركات العالمية وفرض عليها تدريب وتعليم الكوادر السعودية لاكتساب ونقل التقنية والمعرفة وليس فقط السعودة في وظائف "هايفة" وهامشية.
17 - فرض رسوم أو ضرائب مجزية على الشركات العالمية وإفرادها للعمل والمعيشة مع وضع آلية لعدم احتساب ذلك لرفع عقودها أو مرتباتها.
18 - توفير قاعدة معلومات موحدة ومركزية لإحصائيات العقار وتكون مربوطة بكتابات العدل والأمانات وشركات الخدمات.