ألا يهم وزارة العمل نوعية العمالة المستقدمة؟!

إذا كان لا بد من أن يتواجد على أرض الوطن ما يزيد على سبعة ملايين عامل أجنبي، فليس هناك ما يمنع من أن تكون هناك آلية للارتقاء بنوعية هذه العمالة. فعلى الرغم من الفوائد الكثيرة للعمالة الأجنبية ومساهمتها التي لا تنكر ولا تنسى في مسيرة التنمية الاقتصادية في المملكة، إلان أنها عندما تأتي، تترك لها بصمة واضحة على واقع المجتمع الثقافي والديني والاقتصادي من خلال ما تنقله من ممارسات وعادات لا تتناسب مع ثقافتنا، أو عدم وعيها بالأنظمة والقوانين المرعية، وبالتالي عدم احترامها لها، أو في أسوأ الأحوال دورها في زيادة الجريمة داخل الوطن.
فإذا كان بلدنا يتمتع بجاذبية كبيرة للعمالة الأجنبية، فلماذا لا نحاول أن نضع شروطنا حول نوعية تلك العمالة، بما يسهم على الأقل في التخفيف من آثارها السلبية، وبما قد يعظم من آثارها الإيجابية علينا. فمواصفات العامل شيء لا يقل أهمية عن مواصفات الآلة أو السلعة الغذائية، ونحن نضع مواصفات دقيقة لكل سلعة تأتي إلينا لكيلا تكون لها آثار سلبية في صحتنا أو سلامتنا، فما المانع من وضع مواصفة لكل بشر يقدم علينا، حيث لا ينقل إلينا أسوأ ما في بلده من عادات.
مثال ذلك، وضع حد أدنى لإلمام العامل باللغة العربية للحد من التأثير الثقافي السلبي في لغتنا والتي تتضح بشكل جلي في طريقة التعاطي اللغوي معهم على طريقة (إنتا يروح .. أنا يجي). وتأثير العامل الأجنبي الثقافي أشد خطورة عندما يتعامل مع أطفالنا بشكل مباشر. حيث يتلقى أطفالنا مزيجاً من اللغة العربية والإندونيسية والهندية والباكستانية والفلبينية بشكل لا يماثله أي مزيج ثقافي في العالم كله. لذلك، لا بد من حماية ثقافتنا ولغتنا من خلال المطالبة بحد أدنى من إتقان اللغة العربية وبالطريقة نفسها التي تتم فيها مطالبة المواطن السعودي الداخل إلى سوق العمل بحد أدنى من إتقان اللغة الإنجليزية.
وإذا كان هناك فائض طلب في سوق العمالة الأجنبية في المملكة فمن الفطنة أن تتم أولاً تلبية طلب الفئات الأكثر مهارة وتأهيلاً قبل القفز إلى فئات العمالة الأقل مهارة التي تأتينا من مناطق القبائل البشتونية أو ضواحي كيرلا أو الجزيرة رقم 4000 في إندونيسيا، والتي تنعدم فيها أبسط شروط الحضارة المدنية. فالقادمون من تلك المناطق لم يعتادوا الالتزام ببنود قانونية تفرضها عليهم عقود العمل أو إشارات المرور أو أنظمة البلديات، فكيف نتوقع أن يلتزم هؤلاء بالأنظمة لدينا. لذلك، يجد هؤلاء فرصة مواتية لتعلم هذه الأمور في بلدنا وعلى حساب مواطنينا، وإن لم يتعلموا، فإنهم بلا شك سيخالفون وستنعكس مخالفاتهم تلك بشكل سلبي سواءً ثقافياً أو اجتماعيا أو اقتصاديا.
ومن المهم أن يكون هناك حد أدنى من التعليم لكي يتأهل العامل لدخول سوق العمل السعودية، كما أنه من المهم أن يكون هناك حد أدنى من التأهيل لكل مهنة من المهن وبما يسهم في رفع مستوى الممارسة المهنية في جميع القطاعات. وجواز الممارسة المهنية يجب ألا يكون شهادة مزورة ومختومة من الدولة مصدرة للعمالة فنحن جميعاً نعلم كيف يمكن الالتفاف على الأنظمة في تلك الدول لتجاوز أي عقبة تنظيمية. وإنما يجب أن يمنح هذا الجواز بناءً على اختبارات مهنية معتمدة عالمياً يتم الإشراف عليها من خلال ممثليات لوزارة العمل في تلك الدول.
إن هذه الانتقائية في اختيار العمالة بجميع مستوياتها يمكن أن تكون وسيلة للحد من سلبياتها على المجتمع من جهة، ومن جهة أخرى يمكن أن تكون داعماً لتنافسية المواطن في سوق العمل. فعندما تكون هناك انتقائية في اختيار العمالة سيكون هناك انعكاس على أجورها المحلية وبالتالي ستقل فجوة الأجور بين العمالة الأجنبية والوطنية، وهذا بالتالي سيزيد من تنافسية المواطن. أما إذا فتح الباب على مصراعيه (كما هو الوضع حالياً) فإن أرباب العمل لن يستقدموا إلا العمالة الأقل تكلفة والتي بالطبع ستكون الأقل كفاءة، وسيتركونهم يتعلمون بالتجربة والخطأ داخل الوطن وعلى حساب المواطن.
وإذا كانت وزارة العمل قد عجزت عن الحد من اعتمادية اقتصادنا الوطني على العمالة الأجنبية من خلال تساهلها الملحوظ مع قطاع الأعمال في استقدام العمالة، فلا أقل من أن تقوم بدور رئيس في تحسين نوعية هذه العمالة من خلال حزمة من الإجراءات التنظيمية والإشرافية المباشرة على عملية الاستقدام، وحيث لا يترك الأمر بيد رب العمل فقط في تحديد نوعية العمالة التي يرغب فيها لأن في ذلك أثراً سلبياً في المجتمع ككل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي