استراتيجية 2025 .. مرونة التخطيط ووعيه
"سيكون الاقتصاد السعودي، إن شاء الله، بحلول عام 1444/1445هـ (2024م)، اقتصادا متطورا منتعشا ومزدهرا، قائما على قواعد مستدامة، موفراً فرص عمل مجزية لجميع المواطنين القادرين على العمل، متسماً بنظام تعليم وتدريب عالي الجودة والكفاءة، وعناية صحية متميزة متاحة للجميع، إضافة إلى جميع الخدمات الأخرى اللازمة لتوفير الرفاهية لجميع المواطنين، وحماية القيم الاجتماعية والدينية والحفاظ على التراث".
تمثل هذه العبارة رؤية استراتيجية الاقتصاد السعودي حتى عام 2025م. رؤية واضحة ومعلنة بعيدة المدى عن الرسالة التي يطمح الاقتصاد السعودي تحقيقها على المدى البعيد. قسمت رحلة تحقيق هذه الرؤية إلى أربع مراحل زمنية.
المرحلة الأولى الخطة الخمسية الثامنة (2005 – 2009م)، والمرحلة الثانية الخطة الخمسية التاسعة (2010 – 2014م)، والمرحلة الثالثة الخطة الخمسية العاشرة (2015 – 2019م)، والمرحلة الرابعة الخطة الخمسية الحادية عشرة (2020 – 2024م).
تمثل رحلة تحقيق رؤية الاقتصاد السعودي بحلول 2025م فلسفة حديثة في مسيرة التخطيط التنموي السعودي، كونها أول الخطط الخمسية التي تُعد في إطار استراتيجية بعيدة المدى محددة الأهداف والآفاق.
قام باحث في البنك الدولي بإجراء دراسة عن مشاريع التنمية التي سعت الاقتصادات الناشئة إلى تحقيقها خلال النصف الأول من القرن الماضي. نشرت الدراسة في إحدى دوريات البنك الدولي، بعنوان "التخطيط في الدول النامية .. دروس من التجارب"، قبل قرابة 20 عاما. وعلى الرغم من مضي فترة زمنية تعد طويلة بعض الشيء على تاريخ نشر الدراسة، إلا أن ما حملته من نتائج جديرة بالاستشهاد.
أجريت الدراسة على الاقتصادات الناشئة بعد مرحلة الاستقلال. ضمت عينة الدراسة 300 خطة تنموية أقرتها الاقتصادات الناشئة خلال النصف الأول من القرن الماضي. قسمت الدراسة الخطط التنموية هذه إلى ثلاث فئات.
الفئة الأولى الخطط التنموية في اقتصادات آسيا وأوروبا الشرقية وشمال إفريقيا. تميزت الخطط التنموية لهذه الاقتصادات بتأثرها بالنموذج السوفياتي في التخطيط الاستراتيجي وفكره الاشتراكي. وبناء على ذلك كانت خططا موضوعية ومفصلة إلى أدق التفاصيل. من الأمثلة على اقتصادات هذه الفئة الهند، تركيا، بنجلادش، وإثيوبيا.
الفئة الثانية الخطط التنموية في اقتصادات وسط إفريقيا وصحراء إفريقيا ومنطقة الكاريبي. تميزت الخطط التنموية لهذه الاقتصادات بتأثرها بالنموذج الشخصي لأعضاء حكوماتها في التخطيط الاستراتيجي وأهوائهم الشخصية. وبناء على ذلك كانت خططا شكلية تتغير حسب مصالح دولها المستعمرة. من الأمثلة على هذه الاقتصادات نيجيريا، والسنغال، والأرجنتين، وغانا، وجامايكا، وشيلي.
الفئة الثالثة الخطط التنموية في اقتصادات أمريكا اللاتينية. تميزت الخطط التنموية لهذه الاقتصادات بتأثرها بالنموذج الصناعي وفكره الرأسمالي. وبناء على ذلك كانت خططا شمولية مرنة. من الأمثلة على هذه الاقتصادات كوريا الجنوبية، وماليزيا، وكينيا.
توصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الأداء الأفضل لم يكن من نصيب الفئة الأولى التي وضعت خططا موضوعية ومفصلة إلى أدق التفاصيل. كما لم يكن الأداء الأفضل من نصيب الفئة الثانية التي وضعت خططا شكلية تتغير حسب مصالح الدول المستعمرة. كان الأداء الأفضل من نصيب الفئة الثالثة التي وضعت خططا شمولية مرنة.
لنعد مرة أخرى إلى استراتيجية الاقتصاد السعودي 2025م. تهدف استراتيجية الاقتصاد السعودي 2025م إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التنموية. من أهم هذه الأهداف رفع مستوى المعيشة، وتحسين نوعية الحياة، وتقليص ظاهرة الفقر، وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة والمتوازنة، والمحافظة على الموارد الطبيعية، وترشيد استخدامها، وحماية البيئة, وتقليص الفجوات التنموية بين مناطق المملكة، وتنويع القاعدة الاقتصادية.
من أهم الأهداف استراتيجية الاقتصاد السعودي 2025م التنموية كذلك توسيع مجالات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع الاستثمار، والتوجه نحو بناء مجتمع اقتصاد المعرفة، وتعزيز البحث العلمي، وتنمية الموارد البشرية، وتوفير فرص العمل، ودعم مشاركة المرأة في الأنشطة التنموية، والاستمرار في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والتطوير المؤسسي، وتعميق التعاون الخليجي والعربي.
من الأهمية بمكان مراجعة تحقيق هذه الأهداف التنموية خلال هذه المرحلة، بما يضمن، بعون الله تعالى، إضفاء المرونة اللازمة للخطط الخمسية الثلاثة المقبلة، فإنه من الأهمية بمكان إعادة ترتيب الأوراق وتأهيل مقومات المرحلة المقبلة. حيث شارفت الخطة الخمسية الثامنة (2005 - 2009م) على الانتهاء، و بدأت الخطة الخمسية التاسعة (2010 – 2010م) في التأهب للتنفيذ.
نخلص من هذه المراجعة إلى ثلاثة أمور رئيسة. الأمر الأول أهمية الابتعاد عن التخطيط الاستراتيجي الدقيق الشامل لكل التفاصيل الدقيقة، والاعتماد على التخطيط الاستراتيجي الشمولي في تحقيق الرؤية الاستراتيجية. والأمر الثاني أهمية أن تكون آليات تنفيذ الخطة الاستراتيجية آليات مرنة تستطيع أن تتأقلم بسهولة مع المستجدات اليومية. والأمر الثالث أهمية نشر الوعي اللازم لجميع مقومات المنظومة السعودية، بشرية كانت أو غير بشرية، بما يمنحها المرونة الكافية للتأقلم مع المستجدات اليومية متى ما دعت الحاجة التخطيطية لذلك.
التخطيط، والمرونة، والوعي أمور رئيسة ثلاثة تهدف في مجملها إلى مراجعة الإنجازات السابقة، وترتيب الأولويات المقبلة، بما يضمن، بعون الله تعالى، تحقيق رؤية الاقتصاد السعودي 2025م.