اعتماد المنشآت الصحية تقنين تنموي للمشاريع الصحية
تتناقل الأوساط المختلفة من وسائل الإعلام، آراء ومقترحات كثير من المهتمين بتقديم خدمات صحية علاجية مخصصة للنساء. لا شك أنها نابعة من حاجة، ولها أساس انطلقت منه، إلا أن تناولها بطريقة فيها تبسيط وعدم عمق قد يسبب اختلالا في المفاهيم وقد يوجه القرار لتعديل أو تغيير يؤدي إلى ارتكاب أخطاء جسيمة إضافة إلى استنزافها للموارد فهي قد تعرض الخدمة الصحية لنكسة بعد أن تحققت بعض المكاسب في مجملها. قبل أيام تلقيت رسالة تكررت على مدى أعوام في المضمون والطلب، وقد تناقلت وسائل الإعلام المقروء الموضوع بتبسيط جعل بعض فئات المجتمع تشعر أن هناك تقصيرا. المشكلة أنه لم يكن هناك من وضح للمجتمع بكفاية كيف أن إنشاء أو تخصيص "مستشفى للنساء فقط" (لا يدخله الرجال قطعيا) يتطلب القيام بالعديد من الدراسات والخطوات وإعداد الأرضية المناسبة لهذا الصرح أن يتوفر.
في الواقع لابد من قول إن القرار الصادر ببناء أو تأسيس مستشفى, غير الذي يصدر بإنشاء مركز للرعاية الصحية الأولية, أو مجمع عيادات أو غيرها من المرافق الصحية. فالدراسات الأساسية تتطلب عمقا يتناول أنسب المواقع وحجم الحاجة وماهية التخصصات وعدد الأسرة المطلوب فيها، وتوافر أعداد وتخصصات الموارد البشرية المتميزة من النساء حتى في المجالات المكتبية والخدمية المساندة. كما لابد أن يكون هناك ضمان ضبط للتكاليف في التجهيز والاتصالات والتشغيل والصيانة للوصول لجودة الأداء. المحصلة الرقمية لهذه العناصر أو المتغيرات لابد أن تتناسب مع بعضها بعضا لضمان أداء العمل بكفاءة وكفاية وثبات. من ناحية أخرى لابد أيضا من الاعتراف أن دراسة الطب والعلوم الطبية ليست كأي دراسة فهي تتطلب قدرات ذهنية متميزة وأخلاقيات فريدة في شخص المتقدم وصبره على أن "يظل طالبا" طوال حياته. إضافة إلى ذلك اعتبار الفروقات بين الذكر والأنثى في تحمل المسؤولية كاملة أو بشكل متوازن. فبعد قول الله عز وجل, أثبتت الدراسات العلمية التي غطت تفاعل القوى العاملة حيال اختيار المرأة المريضة لجنس الطبيب المعالج، أن هناك فرقا كبيرا. لقد بدأت الدراسات تقريبا في الستينيات وكثفت بعد ذلك حتى كانت في أوجها في التسعينيات؛ حيث تم تغطية ردود أفعال الأطباء الذكور عن الإناث في التفاعل مع المرضى وبالعكس, وبالذات الإناث منهم. كما غطت تأثير التواجد لأداء العمل, والتشخيص ومدته, والوصفة العلاجية, وصحة القرار، وغيرها من العوامل المؤثرة في النتيجة النهائية لرضا المريضة عن الخدمة الطبية. لقد قام العديد من الباحثين سواء في تخصصات علم الاجتماع أو الطب أو العلوم الطبية أيضا باختبار تأثير الأديان والأعراق والمجتمعات محلية كانت أم مهاجرة على عملية التطبيب ورجاحة الرأي بين الأطباء الذكور والإناث بمستوياتهم وفئاتهم المختلفة, وقد كانت النتائج مثيرة وجديرة بالنشر.
جانب آخر وهو الالتزام بالمخصصات المالية وآلية الصرف فكما نهتم بتنفيذ الإجراءات الطبية لابد أن نعي أن التطوير في تقنيات الاتصال والتشخيص والعلاج مستمر وبشكل يومي، وبالتالي لابد أن يكون ذلك ضمن مخططات المنشأة. ثم لابد من الاهتمام بإقامة الدورات والندوات واستمرار جولات فرق الجودة, لاكتمال منظومة الخدمة الصحية المثالية. في جانب آخر يخص إنشاء المباني وتشغيلها فلابد من وقفة لـ "الهيئة الوطنية لاعتماد المنشآت الصحية" التي أعلن عن قرب الموافقة على إنشائها منذ بداية شهر رمضان من العام الماضي 1429هـ. وإذا كانت المجالس المركزية هي القائمة بالعمل الآن, فلابد أن تهتم بماهية المعايير والتنظيمات وأساليب التقييم, فشتان بين الإجابة على سؤال في المكاتب, أو في ساحة المستشفى, ورؤية الخلل بالعين المجردة حدثا واقعا أو أثراً مؤثرا.
إن إقامة مستشفى للنساء "فقط" بغرض منع الاختلاط، وحفظ الخصوصية، وتمتع النساء فيه بحرية الحركة ومناقشة قضاياهن الصحية مع أقرب الأجناس للنفس من مقدمات الرعاية الصحية، لهو شيء يسر الفرد ويطمئنه أن أهله في أيد أمينة ويمكن أن تلقى كل تقدير واحترام. ألا إننا لا نريد أن ترتكب في حقهن والمجتمع والأجيال المقبلة ما لا يحمد عقباه من أي إهمال غير متابع أو قضايا قد يطول حلها وعلاج قد يتسبب في إشكالية بداعي تعطل جهاز أو حدوث انفعال مفرط أو خلافه. هذا الموضوع الشائك لا يمكن أن يناقش بسطحية إذا أريد له أن يتحقق فنحن لا نود أن تتكرر الأخطاء الطبية مثلا لمجرد تقليد المجتمعات التي وجدت بها هذا النوع من المستشفيات.
حاليا يمكن القيام بدراسة الجدوى بشكل علمي لنقنع أنفسنا بالإمكانية من عدمها. الجمعيات العلمية الطبية السعودية ومراكز الأبحاث ومراكز أبحاث المرأة المعتمدة قد توافقني الرأي في تناول هذا الموضوع وإشباعه دراسة وبحثا ومن ثم مقارنة ذلك بما صدر في أوروبا وبالذات في الدنمارك أو السويد أو بريطانيا أو ما تم نشره عن تجارب الهند، وباكستان، وأذربيجان. قد تتفق النتائج وقد تختلف ولكن لإيضاح الصورة فلكل من لم يدرس ملف هذه المشكلة بعمق, فالمستشفيات التي خصصت للنساء في دول العالم – ما عدا الفردية التي اطلعت على ملفاتها - يتواجد فيها الذكور من الأطباء والفنيين ورجال الأمن طوال الوقت، إضافة إلى ذلك الإداريين من أصحاب المنشآت أو التنفيذيين ولو كانوا أعدادا بسيطة. لذلك من وجهة نظر شخصية إلى أن تخرج النتائج ويتم نشرها ـ بإذن الله ـ، أرى أن وضع مستشفيات الولادة والأطفال في المملكة أو حتى في مراكز الرعاية الصحية في هذا الصدد كافٍ لتحقيق المطلوب, ونحمد الله على ما وصلنا إليه وحافظنا عليه. والله المستعان.