هل بالفعل لا نستطيع السفر دون البطاقات الائتمانية؟

ناقشت في مقال الأسبوع الماضي أضرار استخدام البطاقات الائتمانية، عرضت خلالها الطرق التي تلجأ إليها الشركات عندما تغري مستهلكيها على اقتناء البطاقات الائتمانية، وكيف أن بعض الشركات تفضل التبضع بالبطاقات الائتمانية على الدفع النقدي. وقد خلصنا إلى أن المستهلك يجب أن يحاول ما استطاع تجنب هذا الوباء وأن يدفع قيمة مشترياته بالنقد المباشر حاضرا بحاضر، وأن يكف عن السعي وراء المؤسسات المالية كي تجود عليه ببطاقة ائتمانية، كما يجب عليه أن يكف عن تسجيل قيمة مشترياته عند الباعة وأصحاب التموينات الصغيرة أو أي طريقة أخرى تؤدي إلى تأجيل الدفع دون مبرر.
إلا أن البعض يرى أن اقتناء البطاقات الائتمانية ليست سيئة في كل الأحوال وهي ضرورية في حالات عديدة كالسفر والتسوق الإلكتروني. وهذا صحيح، فالبطاقة الائتمانية قد تكون مفيدة في السفر وفي التبضع عن طريق شبكة الإنترنت، إلا أن ضررها في هذين الموقفين أكثر من نفعها. السعوديون على سبيل المثال لا يحتاجون إلى البطاقات الائتمانية في السفر، لأن غالبيتهم لا يسافرون بشكل دوري وإن فعلوا فإنهم يسلكون الطرق البرية وجميع الأماكن التي يمرون عليها ويقيمون فيها لا تحتاج منهم إلى الحصول على بطاقة ائتمانية، بل الدفع الفوري ونحن مازلنا بخير إذا استمر الوضع بهذا الشكل. أما من يسافر منهم بشكل معتاد فهم فئة بسيطة جدا إما للعمل وإما للعلاج وهذه الشريحة عادة ما تتكفل الدولة أو مقر أعمالهم بتكاليف سفرهم ولا أظن أنها ستنقطع بهم السبل إن أقدموا على السفر دون بطاقة ائتمانية. أما من كانت سفرياته خارجية، فالحاجة إليها ما زالت محدودة جدا، إلا أن البعض يتعمد اتخاذ البطاقة الائتمانية رفيقا له في السفر ويجير عليها أهم بنود تكاليف الرحلة وهو لا يعلم أنه يقترض من مستقبله التمويلي، أي يستدين من مدخراته المستقبلية وبفعلته هذه يسمح للمؤسسات المالية أن تستبيح أمواله. وعند عودته تنتظره تبعيات تأجيل الدفع من فواتير وأقساط وفوائد ونحوها ويبقى طوال العام يسدد تكلفة الرحلة، حتى تنسيه كل لحظة ممتعه تذوقها، وتصبح رحلته هذه ذكرى مريرة وتجربة مؤلمة. فإذا لم يكن لدينا مبلغ نقدي فائض وكافٍ للسفر والترفيه فلنُمسك منازلنا ولنتنزه في مدننا التي كثيرا ما نجهل رموزها، وآثارها، ومتاحفها، وحدائقها، وليس من الحكمة أن نستدين من أجل النزهة والترفيه.
أما التسوق الإلكتروني فهو أسلوب لم يأخذ مكانه في ثقافتنا التسويقية بعد وما زال عدد كبير من المستهلكين يفضلون التسوق التقليدي، كما أن كثيرا ممن مارسوا التسوق الإلكتروني يواجهون عدة عقبات، أهمها استخدام البطاقات الائتمانية. والذي يفيدنا في هذا دراسة ميدانية عن التسوق الإلكتروني في السعودية صدرت هذا العام 2009 وهي عبارة عن بحث ميداني مُحكم ومنشور في المجلة العلمية لجامعة الملك خالد. تطرقت هذه الدراسة إلى عوائق استخدام التسوق الإلكتروني بالتطبيق على عملاء الشركات التجارية في المملكة، وقد توصلت إلى أن أكبر العوائق التي تواجه العملاء عند التعامل مع الشبكة العنكبوتية في التسوق هي "صعوبة استرجاع وتبديل السلع" يليها مباشرة خوف العملاء من تسرب أرقام البطاقات الائتمانية وسوء استخدامها من قبل موظفي الشركات ومن قراصنة الشبكة. من هنا نجد أنه ليس هناك ضرورة في الحصول على بطاقة ائتمانية في الوقت الحاضر إذا كان الهدف استخدامها للشراء عن طريق الإنترنت، فهذا الأسلوب ما زال يشوبه كثير من المخاطر وعدم الوضوح، كما أن اللوائح والأنظمة التشريعية المنظمة والبنية التحتية للتسوق الإلكتروني لم تكتمل بعد.
نعود ونكرر أن استخدام البطاقات الائتمانية سيفاقم حالة المديونية التي يمر بها البعض. وموضع المديونية يضطرني أن أبعد قليلا عن لب المقال لأعرض سببا واحدا أرى أنه وراء ما يعانيه الناس من قلة ما في اليد، ألا وهو تولي المؤسسات المالية صرف رواتب الموظفين، فالترويج للسلع والخدمات وانتشار البطاقات الائتمانية والقروض لم تكن حاضرة عندما كانت رواتب الموظفين تدفع لهم نقدا ويتسلمونها يدا بيد من مقر أعمالهم. نعم تولي البنوك إدارة وتوزيع الرواتب ناحية تنظيمية جيدة سهلت على الهيئات والمنظمات الكثير، إلا أنها أفرزت عدة مشكلات تمويلية لكثير من المواطنين حتى أن بعضهم أصبح يعمل فقط من أجل تسديد تكاليف القروض. وقد كنا نظن أن دور المؤسسات المالية يقتصر فقط في تنظيم عملية صرف الرواتب، فإذا بهم يستغلون جهل الناس وحاجتهم للمال فينقضون على أموالهم.
إنني أرى أن لجمعية حماية المستهلك دورا كبيرا في توعية الناس وتثقيفهم بمثل هذه الأمور، فغالبية المستهلكين يجهلون التعاملات الماكرة والمشبوهة لبعض الشركات التجارية والمؤسسات المالية، التي تطوع النظريات النفسية والنماذج السلوكية لدراسة سلوك المستهلك لاقتناصه وتفريغ ما بحوزته.
إنني أرى أن تعقد دورات لعامة المستهلكين لتعليمهم كيفية التعامل مع الأموال وطريقة إدارتها، وتوعيتهم بطرق الشركات في تسعير المنتجات، وطرق البنوك في التعامل مع الودائع ولا يمنع من إقامة ورش عمل في الغرف التجارية التي تمثل خدمة المجتمع أحد وظائفها الأساسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي