دروس سعودية تم تعلمها

ساعدت الطفرة الاقتصادية التي شهدتها دول الخليج خلال السنوات القليلة الماضية، التي غذاها الارتفاع المستمر في أسعار النفط في الفترة من عام 2003 إلى 2008، على وضع المنطقة على الخريطة الاقتصادية العالمية. وأصبحت الطفرة في بعض جوانبها أسيرة لمتلازمة "ما لدّي أكبر مما لديك". وقامت الدول المتنافسة بحملات إعلانية، واستأجرت شركات علاقات عامة لترويج بضاعتها. ودفع المطورون، وكذلك الحكام، باتجاه إنشاء جزر صناعية (في دبي، أبو ظبي، قطر، البحرين، والكويت)، وأصبح القطاع العقاري في أماكن كثيرة هو النشاط الاقتصادي الرئيس.
وروّج المسؤولون مدنهم كمراكز مالية وكوسيلة لتنويع الاقتصاد، بعيداً عن النفط. وتم صب مئات الملايين من الدولارات في شركات الخطوط الجوية الوطنية والمطارات، التي كان ينظر إليها كمصدر للفخر الوطني، وكوسيلة أخرى لتوسيع الاقتصادات المعتمدة على النفط.
وبينما كانت العوائد النفطية تتدفق، استحوذت صناديق الثروة السيادية على موجودات أجنبية بنزعة الطواويس، وأدى ذلك إلى استبدال التواضع الذي كسا الماضي بطابعه، بالاستهلاك المنافي للذوق السليم. وصحيح أن كل البنية التحتية، والممتلكات العقارية الجديدة التي أنشئت ما زالت موجودة، ولكن جودتها، وهندستها في كثير من الحالات، مشكوك فيها.
على النقيض من ذلك، نجد أن ذاكرة السعودية لدورة الطفرة والتراجع، خدمتها جيداً خلال ما كان الطفرة النفطية الثالثة للمملكة في أربعة عقود. فبعد أسعار النفط المرتفعة في السبعينيات، دخل الاقتصاد السعودي في تباطؤ طويل، بينما تراجعت أسعار النفط خلال معظم عقد الثمانينيات. وبعد ارتفاع حاد إثر غزو العراق للكويت، ضعفت الأسعار مرة أخرى في التسعينيات، حين كان السعوديون يصارعون لدفع حصتهم الكبرى في فاتورة حرب الخليج الأولى. وفي ذروة الأزمة المالية الآسيوية خلال عام 1998، تراجعت أسعار النفط إلى 12 دولاراً للبرميل. وكان ذلك يعني أن السعودية التي تبيع ذهبها الأسود، بخصم، كانت تحصل على سبعة دولارات فقط لكل برميل، وكان الحل الوحيد هو عجز الميزانية، كما أن الحكومة بدأت في الاقتراض محلياً، ومن الخارج. وزاد حجم ديون المملكة بحلول عام 1999 على حجم اقتصادها. وبعد ذلك جاءت هجمات 11 من أيلول (سبتمبر) وما ترتب عليها من تبعات اقتصادية وسياسية معروفة.
غير أنه حين بدأت أسعار النفط في الارتفاع في عام 2003، كانت السعودية مستعدة، فقد وجدنا أن مؤسسة النقد العربي السعودي، توسعت بصورة ملحوظة في تدريب أعداد كبيرة من المواطنين السعوديين. كذلك وجدنا أن المسؤولين على قمة هذه المؤسسة قد تذكروا الأيام السيئة لعوائد النفط المتدنية، لذا حين ارتفعت أسعار النفط مرة أخرى، جرى ادخار الأموال دون صرفها باندفاع، كما حدث في أماكن أخرى في المنطقة، وتم كذلك وضع ثروة البلاد في استثمارات متيسرة حين الرغبة في السيولة، بالذات في الأوراق المالية الأمريكية، وليس في القطاع العقاري. وبينما كانت الصناديق الاستثمارية الأخرى تشتري أسهماً في البنوك الدولية، كانت السعودية تشتري سندات الحكومة الأمريكية، أو تقوم بسداد ديونها. ويمكن للمملكة اللجوء إلى هذه الموجودات السائلة، بينما يصارع جيرانها لبيع استثماراتهم في البنوك، والأسهم، والشركات. ويبلغ إجمالي المديونية السعودية في الوقت الراهن 13 في المائة فقط من حجم اقتصادها.
ثمة مؤشر ثالث، فقد وجدنا أن الملك عبد الله الذي غالباً ما يتم انتقاده بأنه "مقتصد في الإنفاق للغاية"، تمسك بالإنفاق العقلاني مما أنقذ السعودية، حيث إنه حتى المدن الاقتصادية الطموحة كانت مبادرات من جانب القطاع الخاص، دون أن تكون ممولة من قبل الدولة.
أما السبب أو المؤشر الرابع، فهو أن القطاع المصرفي، بفضل خبرته في التسعينيات، اتخذ نهجاً محافظاً بخصوص الإقراض، كما أنه على درجة عالية من تدني المديونية. ومن المهم ملاحظة أن القطاع العقاري في السعودية لم يشهد الفقاعة ذاتها التي حدثت لدى جيران المملكة، وهكذا تمت حماية المستهلكين والمقرضين.
أما السبب الخامس، فهو أن المملكة استثمرت خلال سنوات الطفرة أكثر من 70 مليار دولار في زيادة طاقة إنتاج النفط إلى 12.5 مليون برميل يومياً، ليس فقط لضمان مستقبلها، ولكن كذلك لمعالجة اختلالات الإمدادات العالمية.

من المؤكد أن حالتي الهبوط الحاد لسوق الأسهم في عامي 2006 و2008، كانت لهما آثار سلبية على ثروة البلاد. كما أن كبار رجال الأعمال ضربتهم الأزمة المالية العالمية الحالية. ولكن مما لا شك فيه أن صورة الاقتصاد الكلي متينة، وسليمة. وقد خططت المملكة لبرنامج إنفاق بقيمة 400 مليار دولار خلال السنوات الخمسة المقبلة، وخلال عقد زمني، أو نحو ذلك، سيصبح الناتج المحلي الإجمالي في المملكة تريليون دولار، كما أنها ستكون في وضع أفضل من غيرها في المنطقة للاستفادة من خبراتها، ونقاط قوتها. وقال بعض النقاد، خلال سنوات الطفرة، إن على السعودية أن تصبح أشبه بدبي، وأما الآن، فإن بقية المنطقة يمكن أن تريد أن تصبح أشبه بالسعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي