رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المسؤول والميزانية والقفز "الخطير" على سلم الأولويات

لا يمكن للإنسان أن يلبي حاجاته الإنسانية دفعة واحدة طالما أن موارده الاقتصادية محدودة. لذلك، فإنه من الضرورة بمكان أن يرتب الإنسان حاجاته حسب أهميتها وأن يبدأ في توفير الحاجات الأساسية أولاً ثم ينتقل إلى توفير الاحتياجات الأخرى. أما أن يقفز الإنسان من توفير الحاجات الضرورية إلى الحاجات الكمالية فهو ما يعد خروجاً على مفهوم الرشد الاقتصادي ويعرض صاحبه لضغوط اقتصادية كثيرة تتعلق بتوفير العناصر الضرورية له ولأسرته.
وبالنسبة للحكومة يكون ترتيب الأولويات أكثر أهمية لشمول تأثيره في شريحة أكبر من الناس، وبالتالي فإنه من الضرورة توزيع الموارد المادية المتاحة من خلال عملية التخصيص السنوي للميزانية على الاحتياجات الأساسية ثم توزيع ما تبقى على الحاجات الأقل أهمية. وبذلك تجد أن البناء الاقتصادي والاجتماعي للدولة يتم على أسس ثابتة وراسخة وأن أثر ذلك في الأفراد يكون إيجابياً بحيث لا يعود هناك قلق من نقص الحاجات الأساسية لهم.
من الاحتياجات الأساسية التي يجب أن تركز الدول جل اهتمامها لتوفيرها الأمن والصحة والتعليم. فإحساس المواطن بالأمن على ماله وأهله وتوفير التعليم اللازم لتقدمه وتقدم أبنائه وتوفير الخدمات الصحية اللازمة للحفاظ على قدرته الإنتاجية أمور أساسية تدعم إحساس الإنسان بالاستقرار والأمان وتسهم في زيادة ولائه لوطنه ومجتمعه. تأتي بعد ذلك أمور أخرى كتوفير السكن والوظيفة، ويتمحور دور الدولة في هذا الجانب في توفير الوسائل التي تضمن استقرار أسعار المساكن عند حدود قدرة الأفراد وبتوفير سوق عمل عادل لكل من الموظف ورب العمل.
لكن من الملاحظ أننا نقفز في توفيرنا للاحتياجات من الضروري إلى الكمالي وبالتالي نجد أنفسنا بعد ذلك غير قادرين على توفير الخدمات الأساسية التي يفترض بنا البدء بها، وهنا تبدأ معاناة المواطن ثم نبدأ في البحث عن حلول وندور بذلك في حلقة مفرغة. حيث تكون الموارد المادية حينها قد تناقصت مما يجعل كل مسؤول يعلق مشاكل إدارته على شماعة محدودية الموارد المادية. ولو كان المسؤول حريصاً على توفير الحاجات الأساسية في البداية لما ظهرت له تلك المشكلات عند تناقص الموارد المادية.
والأمثلة على ذلك كثيرة ونعيشها بشكل يومي تقريباً، ففي المدن مثلاً نلاحظ أنه بينما لم تكتمل البنية التحتية للكثير من الأحياء والمدن كالشوارع المسفلتة أو المرصوفة، نجد أن هناك عملاً دؤوباً لتشجير وتزيين شوارع أخرى وهو ما يعد أمراً كمالياً لن يؤثر في وظيفية الشارع نفسه. ثم نعمل على توفير الإضاءة لشوارع داخلية غير رئيسة مع أن تلك الشوارع في حاجة إلى توفير خدمات أخرى أهم من توفير الإنارة كخدمات الرصف والسفلتة أو خدمات أساسية أخرى للحي كالصرف الصحي والمياه.
وتوفر السيارات لمسؤولي وموظفي قطاعات معينة في الدولة مع أن إدارات المرور وخدمات الصيانة في مصالح المياه تعاني نقصا في السيارات التي تحتاج إليها لإنجاز أعمالها بشكل أفضل وأكثر كفاءة. ويتم تخصيص قطاعات معينة أو تحويل بعض الجهات إلى هيئات مستقلة وزيادة رواتب موظفيها مع أنه من الممكن أن توفر بهذه التكلفة الوظائف لآلاف المعلمين والمعلمات. ويكلف موظفو جهات بمهمات خارج مناطقهم لا إلى الحاجة إلى ذلك ولكن للاستزادة المادية وأسوة بغيرهم.
وفي حين لا يتمكن الكثير من أبنائنا من الدخول إلى الجامعات الحكومية على الرغم من ارتفاع معدلاتهم مما يضطرهم إلى التوجه إلى الجامعات أو المعاهد الخاصة للدراسة على حسابهم الخاص، نجد أن تلك الجامعات الحكومية ما زالت تقدم المكافآت للطلبة الذين حالفهم الحظ في القبول بغض النظر عن حاجتهم الماسة إليها. فما هو الأولى أن يوفر التعليم للجميع بشكل مجاني أم أن يحصل عليه البعض مع حلاوة المكافأة في حين يضطر البعض الآخر للدراسة على حسابهم الخاص.
علاوة على ذلك، في حين تحتاج المدن الأخرى إلى توفير مدارس حكومية ومستشفيات ومباني كليات جامعية لها، يتم بناء مقار جديدة للكثير من الدوائر الحكومية والجامعات على الرغم من صلاحية المقار السابقة لأداء وظائفها الأساسية. وقد يكون من الأولى العمل على بناء مقرات لتلك الدوائر الحكومية التي ما زالت تعمل في مبان مستأجرة أو آيلة للسقوط لتخفيف العبء على ميزانية الدولة أو توجيه تلك الموارد لمصارف أخرى كبناء مستشفيات في المناطق التي لا تتوافر فيها الخدمات الصحية الأساسية.
الأمر ينطبق أيضاً على المستشفيات نفسها حيث لا تتم التفرقة بين ما يشكل حاجة ماسة وبين ما يشكل حاجة كمالية، فتوسعة وحدات التنويم وزيادة الكوادر الطبية المؤهلة وتوفير العلاج للمرضى أهم بكثير من بناء أجنحة خاصة وفارهة لكبار الشخصيات وتحسين المداخل وتشجيرها والإنفاق بسخاء على الأندية الخاصة بالكادر الطبي الأجنبي. وزيادة الكادر الطبي اللازم لتوفير الخدمات الصحية الأساسية أهم من التوسع غير المدروس في المنح التعليمية والدورات المكلفة لنسبة بسيطة من هذا الكادر.
هذه أمثلة بسيطة لبعض الممارسات الإدارية التي تدل على أننا لا نركز على توفير الحاجات الأساسية لمواطنينا بل إننا نقفز إلى الحاجات الثانوية. لذلك، فإنه يجب أن يكون من أولويات كل مسؤول ومن الأمانة الملقاة على عاتقه السعي لتحديد الأولويات ليتم توزيع الموارد المتاحة لجهته بشكل أفضل وبما ينعكس بشكل إيجابي على الخدمة المقدمة للمواطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي