التقنية في مواجهة الأمراض المعدية
في مواجهة الأوبئة تختلف ردود الأفعال بين الهيئات والمؤسسات العلمية والخدمية على مستوى العالم بناء على الهدف من متابعة الحدث. فإما أن يكون بهدف ثقافي وتوعوي لمنح الفرد القدرة على التصرف الصحيح عند اللزوم, أو أن يكون بهدف تقديم خدمة تقود الفرد لأكثر التصرفات أو المواقع أمانا. بمسح سريع لتفاعل مؤسسات مختلفة مع الحدث وجدت مواقع بعض الجامعات الكبيرة والمتخصصة في العلوم كانت متفاعلة مع انتشار إنفلونزا الطيور في نشر المعلومات اللازمة عن الوباء عندما بلغ المستوى الرابع في خطورته. لاحظت أيضا أن طلاب الجامعات في منتدياتهم يتناقلون الأخبار وبعضهم يوثقها بمقالات علمية, والبعض الآخر بما شاهده شخصيا في رحلته. طلاب التخصصات الصحية والطبية قاموا فعلا بأدوار عملية بإشراف بعض الجمعيات والمختصين من كلياتهم فكان في البيت - قبل المدرسة والجامعة - كم من المعلومات العلمية تم تناقله عن بعد, وحظيت تلك الأسرة أو المجموعة بارتياح كبير بعد أن حددوا كيف سيتعاملون مع الوباء في مثل هذه الظروف. وبمقارنة وتقييم توقيت التفاعل, وأسلوب الطرح, ومستوى السؤال فكريا, وجوانب عدة أخرى وجدت أننا في المجتمعات العربية نسأل عن أشياء بسيطة جدا أو سطحية عما يطرح في المجتمعات الأخرى. فالأسئلة تعتمد على المتوافر من المعلومات, ومستوى الثقافة. فمثلاً: إذا كنا نسأل عن: ما مرض إنفلونزا الطيور؟. وما الفرق بينه وبين الذي جعلنا نهلك مئات الألوف من الطيور قبل عامين أو ثلاثة؟. وهل عدم وجود خنازير لدينا يجعلنا نسلم من الإصابة به؟. نجد أن هناك مجتمعات تسأل عن ما معايير اعتبار الوباء محليا أم عالميا Epidemic or Pandemic؟ وهل يمكن أن يؤثر هذا الوباء في التجارة والاستثمار والسياحة والطيران؟. وهل ستكون هناك تنظيمات إجرائية للخدمات للتعامل مع الظرف؟. ثم متى سنحصل على اللقاح للفيروس الهجين؟, وهل سيُكوِّن الفيروس مناعة ضده؟. هذا يدل على أن توفير المعلومات أصبح لا يقف عند حد ونحتاج إلى فرق متخصصة تدلنا على كيفية اختيار ونشر المعلومات التوعوية المناسبة والكافية, وتحديد أساليب إيصالها في كل ظرف. لا بد أيضا أن نهتم بنوعية المجتمعات, ففيها البسيط جدا والمثقف والخبير المتخصص. وإذا ما أردنا رفع مستوى التوعية الصحية فأبحاث تبدأ من هنا وفي مثل هذه الظروف ستراكم كما من المعلومات لا يمكن تخيله.
إن إدارات التوعية الصحية الآن ترمي بثقلها على تثقيف الفرد في المملكة في محاولة جعله متبِعا للتعليمات لا متَتبِّعا لها. وإذا طلب من الجميع فعل شيء لا نعلم إذا كان ما قد سُمعْ, اُستوعب وفُهم, ثم نفذ؟. ما أعرفه هو أن الفرد إذا فقد الثقة في برامج التوعية الصحية أو مقدميها, يلجأ إلى ارتكاب الخطأ. فيشتري المضاد الحيوي بوصفة من الصيدلي, ويركب بعض الوصفات العلاجية من السوبر ماركت والعطارين, ويرتاد المواقع الاجتماعية فيأخذ منها ما استساغه ماديا ومعنويا, وقد يبدأ في قول ما لا يعيه أو يعي نتائجه, معتمدا على ما لديه من معلومات. في هذه الظروف نريد مع الرسائل التوعوية الحالية وضع تقييم لهذه البرامج. كما نريد أن يتجه المجتمع في وقت الأزمات إلى النافذة التي تكون مسؤولة عن التوعية والتثقيف في هذا الشأن أو ذاك (في هذا الظرف وزارة الصحة ووزارة الزراعة). كما أتمنى أيضا أن تكون هناك جهات تُخَول بهذه المهمة كمساندة للوزارات وهي الهيئات والجمعيات العلمية والجامعات التي بها كليات صحية أو طبية متخصصة, على أن تكون الرسائل يكمل بعضها بعضا. وفي سياق متوافق مع أحدث ما نشر عن الحدث.
بعد تفشي إنفلونزا الطيور SARS قبل عدة أعوام حسبت التكاليف التي تكبدتها كندا خلال السنوات الثلاثة (2006 - 2003م) إنها لامست 800مليون دولار, أي ما يعادل ثلاثة مليارات ريال, ولم يسجل عدد الإصابات الإيجابية فيها بأكثر من 160 حالة. لقد اعترفت جهات فيها بعد ذلك, أنها لو استفادت من هذا الكم من المصروفات دون الارتباك, لكان الآن لديها نظام معلوماتي صحي أفضل بين المرافق الصحية. ولجهزت معاملها بشكل أفضل, ولكان لديها أبحاث أفضل ومركزة... إلخ. إن أكثر ما همهم كان "أنظمة المعلومات الصحية" الأمر الذي يحتم علينا التحول الإجباري لا الاختياري في المرافق الصحية إلى تبني تقنية المعلومات. أتساءل الآن: هل يمكن لمقدمي الخدمة الصحية من الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص, ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية (مركز الاستشعار عن بعد), ووزارة الزراعة تبادل معلوماتها والمشاركة فيها مع الجهات المختلفة "إلكترونيا"؟. وهل تم تحديد نظام من أكثر من 320نظاما معلوماتيا صحيا في العالم, أم ما زال التفكير مستمرا. أعرف أن كفاءة الأنظمة أو التطبيقات المستخدمة في العالم متفاوتة ولكن هل استقر الرأي على ما سيسرع الإجراء, ويوحده, ويقنن تدفق المعلومات, ويحميها, ويحافظ على سريتها, ويخفض التكاليف, ويحسن عملية التحليل العلمي للمعلومات؟. آمل أن يكون هذا تمرينا لبناء استراتيجية المعلومات الصحية التي يؤمل أن تنقل مستوى الأداء في تنفيذ البرامج الصحية التنموية إلى أفضلها ـ بإذن الله ـ. فمرحلة التوعية والمراقبة الميدانية والآلية مع قرب حلول شهر رمضان ومن ثم شهر الحج لهذا العام تستدعي منا العمل بشكل متواصل للحفاظ على بيئة المملكة خالية من أي وباء جديد ـ بإذن الله ـ, والتركيز على البحث فيما استوطن في بعض المناطق, للقضاء عليه. والله المستعان.