إلى أين تقودنا البطاقات الائتمانية؟
كان من المفترض أن أكمل مناقشة دور المنظمات في السيطرة على ضغوط العمل إلا أنني آثرت تأخيره قليلا رغم أهميته لأن ثلاث مقالات متتالية عن موضوع بعينه سيصيب القارئ بالسأم، فالنفس البشرية سريعة الملل وتفضل التغيير لذا سنتوقف قليلا ثم نعاود الحديث عنه فيما بعد ـ بإذن الله.
وموضوع اليوم سبق أن أبحرنا فيه من قبل, وهو سياسة الشركات في تسعير المنتجات. ذكرت في سلسلة مقالات سابقة أن هناك طرقا تنتهجها الشركات في تسعير منتجاتها، أهمها طريقة "المطالبة بالمزيد" التي تتلخص في عبارة "اطلب أكثر مما تتوقع الحصول عليه"، وسياسة "النقود المرحة"، وهي عبارة عن تصغير السعر بشكل هزلي حتى يظهر أمام المستهلك بغير وضعه الحقيقي. كما ناقشنا كيف تستغل الشركات العوامل النفسية للمستهلكين حتى توهمهم أن السعر الذي يعرض هو السعر الحقيقي ومن أهمها: "الأسعار الجذابة" أو ما تسمى أحيانا سياسة "الأعداد الكسرية"، سياسة "جودة الأسعار" وهو ربط السعر المرتفع في أذهان الناس بالجودة، وختمنا نقاشنا بسياسة "التشكيك في القوة الشرائية للمستهلك" لدفعه على إثبات العكس, وقد بينا هذه السياسات بأمثلة توضيحية يمكن الرجوع إليها.
وفي هذا المقال نريد أن نتعرف على بقية العوامل النفسية الأخرى التي تستخدم في التسعير ومن أهمها التعامل بالبطاقات الائتمانية. وموضوع البطاقات الائتمانية متعلق بعدة جوانب اقتصادية، ومحاسبية، وتمويلية إلا أن تركيزنا سيكون على الجانب التسويقي فقط. نريد أن نعرف لماذا تفضل مراكز البيع التعامل بالبطاقات الائتمانية؟ ولماذا تغري البنوك مودعيها على اقتناء بطاقات ائتمانية وتسعى جاهدة إلى تقديم بطاقة مجانية للعميل ولعائلته؟ ومن تعذر حصوله على بطاقة ائتمانية من البنوك فإن بعض المراكز التجارية الضخمة تصدر له بطاقة خاصة بالمحل يشتري منه ما يحلو له؟ لماذا هذا الإصرار وهذه الرغبة الجامحة من قبل البنوك والشركات ونقاط البيع في التعامل بالبطاقات الائتمانية وتفضيلها على الدفع النقدي؟
ترى هذه المؤسسات أن التبضع بالبطاقة الائتمانية يغري المستهلك على زيادة الكميات المشتراة والتركيز على السلع ذات الجودة العالية والأسعار المرتفعة لأن السعر أصبح من آخر اهتماماته فقد تم كسره من قبل الشركات, فقيمة السلعة لا تمثل له عائقا لأنه لن يدفعها الآن ولكنه لا يعلم أنه يقترض سعرها مضاعفا من مستقبله التمويلي كما سنبين بعد قليل. كما أن بعض الشركات تغري زبائنها عند استخدام البطاقات الائتمانية على الدفع بالتقسيط وهذا له أضرار عديدة نوضحه بالمثال التالي: إذا كانت قيمة السلعة التي يرغب المستهلك في شرائها نقدا ودفع قيمتها حالا هي 500 ريال، فإن كان سيستخدم البطاقة الائتمانية في الدفع فإنه سيتعداها إلى سلعة أخرى تفوقها في الجودة وفي السعر، وإذا كان يرغب في تقسيط قيمتها فإنه سيتحمل مبلغا إضافيا يتمثل في قيمة تأخير الدفع. أما لو قرر الدفع النقدي فسيدفع 500 ريال فقط لأن النقد يقيد المستهلك ويحد من بدائل الشراء أمامه ويجعله يتردد مرارا قبل أن يتخذ قرار الشراء لمحدودية ما في حوزته من النقود الحقيقية ولكنه لا يبذل المجهود نفسه في التفكير عند الشراء بالبطاقات الائتمانية، فحرية الشراء هنا واسعة وعدد الأصناف المعروضة أمامه متعددة, وهذا الوضع محل ترحاب من الشركات ونقاط البيع.
وهناك آثار أخرى عند التعامل بالبطاقات الائتمانية قد لا يطلع عليها المستهلك في حينه تظهر له عند سداد الفاتورة، فبعض الشركات تتعمد زيادة قيمة القسط ولو بمبلغ بسيط أو زيادة عدد الدفعات دون علم المستهلك ويستمر العميل في الدفع ظنا منه أن هذه أقساط مستحقه والمستهلك عادة ما يغفل مراجعة بنود الفاتورة. كما أن البطاقات الائتمانية والتقسيط من أسباب ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم، فرغبة الناس في تأخير الدفع عن طريق استخدام البطاقات الائتمانية وما يتبعه من تفضيل الشراء بالتقسيط يؤديان عادة إلى ارتفاع أسعار السلع.
أعود وأكرر أن التبضع بالبطاقات الائتمانية وتفضيل التقسيط على النقد من السلوكيات الشرائية الخاطئة، فالمستهلك يظل مدينا للشركات أعواما عديدة وأزمنة مديدة وقد تأخذ منه كل ما في حوزته، فما أن يدخر مبلغا في حسابه حتى تأتيه مستحقات البطاقة الائتمانية أو دفعات التقسيط فتلتهمه. حتى نتجنب كل هذا العناء ينبغي أن تكون جميع مشترياتنا بالنقد المباشر حاضرا بحاضر حتى مع صاحب البقالة الصغيرة المجاورة لمنزلنا. بعضنا يلجأ إلى شراء مواد استهلاكية من التموينات الصغيرة المجاورة ويقومون بتسجيل مشترياتهم لدى البائع كي يدفعوا ثمنها نهاية الشهر، وهذه الطريقة هي نفسها طريقة التعامل بالبطاقات الائتمانية لأن المستهلك أخر الدفع والمشكلة تكمن في تأخير الدفع الذي يؤدي إلى زيادة المشتريات غالبيتها غير ضرورية’ وبهذا فإن المستهلك بفعلته هذه يقترض من أموال المستقبل، أما الدفع النقدي فتحكم مصروفاتنا وتحدد نوعية السلع المشتراة بعناية.
كما يجب إعادة البطاقات الائتمانية للبنوك, فعندما يهدي إليك البنك بطاقة مذهبة فلتعدها إليه في اليوم نفسه في مظروف مذهب, فهذه رسالة للبنك تخبره أن الحيلة لم تنطل عليك وأنك تستطيع إدارة مصروفاتك بكفاءة، وعليك ترتيب أولوياتك, فليس من الضرورة الحصول على كل شيء في كل وقت. وأختم فأقول إن البطاقات الائتمانية والتقسيط آفتان تقضيان على المدخرات وتبطلان العادات الشرائية الرشيدة.