"الصحة" بعيدا عن وزارة الصحة
تتوقع منظمة الصحة العالمية أن يصبح السرطان عام 2010 السبب الرئيسي لموت البشر، وكشفت الجمعية الألمانية للسرطان عن نتائج دراستها المذكورة التي تشير إلى أن 20 - 40 في المائة من الأمراض السرطانية يمكن إعادة أسبابها إلى "البدانة وقلة الحركة والتغذية السيئة"، وأضيف من ناحيتي أن هذا الثالوث سبب معظم الأمراض الخطيرة والمزمنة مثل أمراض القلب والضغط والسكري والفشل الكلوي وتصلب الشرايين والأوردة وغيرها.
هذا الثالوث "البدانة وقلة الحركة والتغذية السيئة" ثالوث لا يقبل لوزارة الصحة بمعالجته ومعالجة إفرازاته وحدها مهما وفرت من الأسرّة والكوادر البشرية والأجهزة والمعدات الطبية والأدوية دون تعاون وتكامل بين جملة من المؤسسات الحكومية والخاصة وغير الربحية المسؤولة عن صحة وسلامة الغذاء والتغذية السليمة، وعن تعزيز الحركة مقابل الراحة الزائدة، وعن حماية الإنسان من التعرض لدرجات تفوق المعدل من الملوثات بكافة أنواعها.
مصطلح الأمن الغذائي يقول بتوفير الغذاء الصحي بشكل مستدام ومتناول، على اعتبار أن الغذاء غير الصحي لا يعد غذاء بقدر ما يعد بلاء على متناوله، وتوفير الغذاء الصحي والتوعية بالتغذية السليمة مهمة جهات متعددة منها على سبيل المثال لا الحصر أمانات المدن، وزارة الزراعة، وزارة التجارة، الجمارك، هيئة الغذاء والدواء، مراكز الدراسات والبحوث الصحية في المعاهد والجامعات والمدن البحثية مثل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.
في جلسة مع بعض الأصدقاء تخللها كثير من الإحباط نتيجة ما نراه من عمل غير متكامل بين الأجهزة الحكومية مع بعضها بعضا ومع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني حيال قضية الصحة، وكأن كل جهاز أو مؤسسة تعيش بمعزل عن الآخرين وعن البيئة التي تصبو لتحقيق أهدافها فيها ومن خلالها مواردها ومعطياتها، نعم فالمخططات السكنية الشبكية المطورة فرديا بشكل شبه عشوائي وعلى مدد طويلة وغير محددة تحرم الناس الحركة وممارسة رياضة المشي، كما تحرم الأطفال والشباب ممارسة أي رياضة لعدم وجود مرافق مجهزة أو حتى أراض بيضاء مخصصة لذلك يمكن الوصول إليها من خلال أرصفة صالحة للمشي الآمن.
أمانات المدن من خلال الإدارات المسؤولة عن صحة الغذاء الذي يباع في المحال وأسواق الخضار والفواكه واللحوم والمطاعم لا تقوم بالمهمة بالشكل القادر على رصد وضبط المخالفات وإحالة المتلاعبين للجهات القضائية لتطبيق العقوبات النظامية بحقهم من أجل الردع لهم ولأمثالهم، وعذرهم المعروف - كما هو عذر كافة الجهات الرقابية - ندرة المفتشين لأسباب بيروقراطية تتعلق بالتوظيف والمكافآت وعدم تخصيص الرقابة كحل شامل.
وأكد على دور أمانات المدن لأنه كما قال الحارث بن كلدة في حكمة طبية له "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء" وهو ما يعني أن الطعام الذي يوضع في المعدة كما ونوعا وجودة هو السبب الرئيسي في كثير من الأمراض التي يترتب عليها أمراض أخرى وهكذا في متتالية مرضية ترهق المريض من ناحية كما ترهق ميزانية الصحة من ناحية أخرى، ولو أدركنا أن البدانة تسبب أمراض القلب والدورة الدموية والسكري والضغط كما تسبب السرطان أيضا لوجود مؤشرات على علاقة البدانة بنشوء الأورام السرطانية في عديد من أعضاء الجسم، وهذا ما يبين أهمية توفير بيئة سكنية تشجع على الحركة وممارسة رياضة المشي وغيرها من الرياضات الأخرى التي تحرق السعرات الحرارية التي تتحول إلى دهون في حال عدم حرقها.
هيئة الغذاء والدواء أيضا هي الأخرى مسؤولة بالتعاون مع مراكز البحوث والدراسات في الجامعات ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية عن سلامة الغذاء من خلال أخذ عينات بشكل دائم من الأسواق وتحليلها وإصدار ونشر النتائج كما فعلت في قضية الفستق المسرطن اليتيمة، وبالتالي توعية المستهلك بالمخاطر وتوجيه الاتهامات للجهات المتساهلة في أداء مهامها ومعالجة الأخطاء كما تفعل بعض الدول حيث يتم الفحص على المواد الكيميائية قبل دخول الخضار والفاكهة واللحوم وغيرها للسوق وما يكتشف أنه ملوث يرمى وتتم محاسبة المسؤول عنه فضلا عن تتبع مصدر هذه الأغذية.
ولاشك أن هذا التعاون بات أمرا ملحا وضروريا حيث نعلم أن كثيرا من المزارعين ومن أجل تحقيق أرباح سريعة بتكاليف زهيدة يستخدمون المياه غير الصالحة للزراعة كمياه الصرف الصحي أو مياه الآبار المخلوطة بمياه الصرف الصحي، كما يستخدمون المواد الكيماوية المنشطة للمزروعات والقاتلة للآفات الزراعية بطريقة غير علمية تجعل كمية هذه المواد في الثمار أكثر من معدلاتها المسموحة مما يؤدي إلى أمراض لا تحمد عقباها، كما نعلم أيضا أن كثيرا من الفواكه والخضار التي تأتينا من بلدان بعيدة تعالج بالمواد الكيماوية الحافظة ذات الآثار الصحية السلبية، وبالتالي فلا عذر لتهاون أو تقاعس مهما كان هذا العذر وإن كان ماليا، وليتنا نحرص على سلامة غذائنا من المواد السامة كما تحرص اللجان الرياضية على سلامة دم الرياضيين من أي نسبة من المنشطات.
ختاما أقول إن التصدي للأمراض خصوصا الخطرة منها من خلال التفكير التقليدي برفع كفاءة عناصر السوق الصحية حكومية كانت أو خاصة لن يحقق ما نصبو إليه ما لم يعزز هذا التفكير بتفكير خارج المألوف من خلال البحث في أسباب الأمراض الرئيسية (الغذاء المريض، قلة الحركة، التلوث بكافة أنواعه وما يترتب عليها من سمنة مفرطة تحتضن الأمراض كافة، ضعف الوعي الصحي ) ولا شك أن هذا النوع من التصدي للأمراض يتطلب أن تتحمل كل مؤسسة حكومية أو خاصة أو غير ربحية ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة بصحة الإنسان مسؤوليتها دون تقاعس أو أعذار لنحافظ على صحة المواطن والمقيم بعيدا عن وزارة الصحة.