رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


في حديث مع أكاديمي أجنبي (2 - 2)

كما ذكرت في مقال الأسبوع الماضي، فالأجنبي يستطيع بواسطة حاسته الثقافية المختلفة ملاحظة بعض الجوانب التي نمارسها, ونألفها وقد تكون غريبة بالنسبة له أو غير مناسبة لا من وجهة نظر تربوية ولا من وجهة نظر حضارية, وعلى المدى البعيد تضر بالمجتمع من عدة جوانب.
ومواصلة في عرض ما تمت مناقشته مع صاحبنا توقفت عند ملاحظته بشأن القراءة من قبل أبناء المجتمع السعودي, وأن الناس في هذا المجتمع مقلون في القراءة في الأماكن العامة, وفي أماكن الانتظار, سواء في العيادات, والمستشفيات, أو أي موقع آخر, وهو بهذه الملاحظة يقارن المجتمع السعودي بالمجتمعات الغربية التي تمثل القراءة بالنسبة لهم قوتاً يومياً للعقل مثله مثل الطعام الذي نتناوله ثلاث مرات على أقل تقدير, ومن عاش منا في الغرب, أو زار اليابان وبعض دول الشرق لاحظ أن الكتاب لا يفارق الناس في الطرقات, والمطاعم وأين ما ذهبوا, ويراهم المرء منهمكين في القراءة, وفي هذا الصدد ذكر صاحبنا تجربته مع أولاده الذين يعيشون معه في السعودية، حيث إنه يشفق عليهم من كثرة القراءة, ويدعوهم إلى كسر روتينهم اليومي القائم على القراءة الحرة, والطوعية, وهذا يفسر لنا الوعي الذي نلاحظه على أبناء تلك المجتمعات خاصة في الحياة, والصحة, والعمل, والعلاقات مع الآخرين والذي لم يكن ليتحقق من دون القراءة. موضوع القراءة شدني، رغم أنه سبق لي تناول موضوع القراءة في مقال سابق, لكن رغبة البحث في أسباب قلة القراءة, ومجافاتها تجعلني أطرح سؤالاً مفاده: هل نحن مقلون في القراءة؟ أم أننا شعب قارئ, ولكن في البيوت, وليس في الأماكن العامة؟ لا شك أن هناك من هم مدمنون في القراءة, ولكن ما الذي يمنع من أن نشيع ثقافة القراءة في الأماكن العامة, ونشجع عليها حتى تكون عادة لدى الناس بحيث يحملون معهم زادهم الفكري أين ما ذهبوا؟ ولو نجحنا في هذا الأمر, ولو بعد سنوات سنجد أننا نحدث بيئة مشجعة على القراءة, وتولد التنافس في هذا الشيء. وفي موضوع متصل بالقراءة ذكر الأكاديمي الأجنبي أنه بحث عن جريدة باللغة الإنجليزية, والتي هي لغته الأم, ولم يجد في البقالة المجاورة لمنزله, واتفق مع صاحب البقالة على إحضار جريدة "عرب نيوز" بشكل يومي, لكنه لاحظ أن البائع يخفي الجريدة أسفل الطاولة حتى يحضر لأخذها, وقد يكون السبب حفاظاً عليها حتى لا يتم شراؤها من قبل زبون آخر, أو قد تكون هناك أسباب أخرى لا نعلمها, لكن هذا التصرف لفت انتباه هذا الأستاذ الجامعي.
البيئة, والسياحة كانتا من المواضيع التي تم تناولها, وحيث إن هذا الأستاذ الأجنبي يحب استكشاف البيئة المحيطة حتى وإن كانت بعيدة، فقد لاحظ وهو ذاهب لزيارة جبل قارة في الأحساء انعدام أي لوحات إرشادية على الطرقات تدل من يرغب الذهاب إلى هناك حتى أنه اضطر إلى أن يسأل ومن ثم يتبع أحد الناس في سيارته, والذي أوصله إلى المكان, ولعل في هذه الملاحظة سببا كافيا لوضع الإرشادات, واللوحات الدالة على الأماكن السياحية، إن نحن رغبنا في استثمار الأماكن السياحية المنتشرة في بلادنا.
أما نظافة البيئة, وعدم الاهتمام بها من قبل الناس فهي إحدى الملاحظات التي شعرت معها بالحرج, وأنا أستمع إليه, إذ ذكر أن عدم اهتمام الناس بالنظافة, ورمي القمامة في الشوارع, وعدم وضعها في الأماكن المخصصة هي مما يضايقه كثيراً كممارسة تدل على الاستهتار واللامبالاة, وقد ذكر أن بعض الأماكن السياحية التي زارها ترمى فيها النفايات بصورة منفرة تفقدها الجاذبية. وفي ظني أن الجهات المسؤولة تقع عليها مسؤولية المحافظة على هذه الأماكن, ووضع الضوابط التي تردع هذه الممارسات. لقد تألمت من هذه الملاحظة ونحن أمة "إماطة الأذى عن الطريق صدقة".
من الملاحظات ذات المساس بالتربية الأسرية ما لاحظه من شقاوة, وعدوانية بعض الأطفال، حيث إن أبناءه يتعرضون للضرب, والإيذاء من قبل أبناء الجيران, ومع إبلاغه والدي أبناء الجيران إلا أن ردود الفعل اللامبالية كانت الاستجابة التي حصل عليها, وفي هذا سوء تصرف من قبل الوالدين، إذ إن هذا الفرد ضيف, ويخدمنا في ذات الوقت, ومن حقه احترامه, كما أن حسن التعامل معه ومع أبنائه يعطي صورة حسنة عن المسلمين, ويبين محاسن الإسلام التي تحث على حسن المعاملة.
أما الكذب, هذا السلوك الذميم، فقد كان إحدى الملاحظات التي مررها إلي، حيث إن الكثير من طلابه في الجامعة يمارسون هذا السلوك, وهو بهذا يشير إلى الازدواجية والتناقض الذي نقع فيه فديننا ينبذ الكذب, ويحذر من الوقوع فيه، لكن مع ذلك نجد من يستسيغ هذه الممارسة دونما أي شعور بالذنب.
المبالغة في الاعتماد على الخدم, وترك أمر الأطفال لهم يربونهم, ويتعاملون معهم لم يفت عليه تمرير الملاحظة بهذا الشأن, ولديه في هذه الملاحظة الحق, إذ نلاحظ في الأسواق امرأة تتسوق ومعها خادمتين أو ثلاث, ومن يرى مثل هذه الحالات يتساءل, ما الحاجة إلى هذا الجيش من الخادمات؟ أم أن هذا جزء من الوجاهة الاجتماعية التي يعوض بها البعض النقص الذي يوجد لديهم, فهم بحاجة إلى إشباع هذا الشعور غير الطبيعي الذي قد يوجد عند البعض, أما تربية الخدم للأطفال فأمر محزن, إذ لا يمكن نقل ثقافة المجتمع, وقيمه, وعاداته, وتقاليده إلى الناشئة من قبل أفراد لا يلمون بهذه الأشياء, فالخادمات يفتقدن هذا الكنز الذي لا يمكن الحصول عليه بقراءة كتاب أو العيش في البلد لفترة قصيرة, لذا لا نستغرب أن يوجد لدى الأطفال فراغ نفسي ينشأ بسبب افتقادهم قرب أمهاتهم وحنانهن. وعليه فما نلاحظه من سلوكيات شاذة, وغريبة, ومضره لدى الأطفال وبعض الشباب لم يأت من فراغ، بل هو نتاج إحالة مهمة تربية الأطفال لمن هم ليسوا أهلاً لهذه المهمة.
الترابط الأسري بين أفراد العائلة السعودية كان إحدى الملاحظات التي أشار إليها الأستاذ الجامعي, وأعجب بها, ويتمنى وجودها في مجتمعه الذي يعاني التفكك, وضعف الترابط بين أفراد الأسرة الواحدة حتى أنه ذكر أن الفرد في مجتمعه لا يجد من يسانده, ويقف معه في هذه الحياة, ويشعر أن عليه الاعتماد على ذاته حتى وإن كان غير قادر على ذلك, ولم يبلغ حالة النضج التي تؤهله لمواجهة الحياة بصعوباتها, ومشاكلها الكثيرة والمعقدة، لكنه يخاف على هذا التماسك الأسري لدينا إن نحن استمررنا في ترك مهمة تربية الناشئة للخدم, ومن على شاكلتهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي