رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل المخاوف من البطالة في المملكة مُبررة؟!

ليس بمُستغرب أن يتوجس الناس خيفةً من البطالة! فمن يقع في براثنها يُعاني نفسياً واقتصادياً واجتماعياً إضافةً إلى ما يترتب عليها من فساد وجريمة، ناهيك عن تعطل الطاقات الإنتاجية والخسائر التي تلحق بميزانية الدولة نتيجة التحويلات الحكومية لمن لا يعملون. الغريب حقاً هو البحث بين ثنايا التقارير الإحصائية والإصدارات الرسمية عن نسبة البطالة وهل ارتفعت أم انخفضت؟ وهل هي بين الذكور أعلى أم الإناث؟ وكأننا لا نقيم وزنا لأوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية. لا شك أن تعريف البطالة يخضع لمعايير دولية تختلف عما يتداوله العامة من أن العاطل عن العمل هو من لا يعمل فقط، قد نجد أشخاصا مقتدرين مادياً ومع ذلك لا يعملون وآخرين قادرين على العمل لكن ظروفهم لا تسمح لهم كطلاب الجامعات، بينما هناك آخرون يرغبون في العمل لكن ظروفهم الصحية تحول بينهم وبين ما يشتهون ككبار السن والمرضى.
في أدبيات اقتصاد السوق هناك ما يُسمى العمالة الكاملة أو التوظيف الكامل للموارد الاقتصادية المُتاحة، ولهذا فإن ثمة نسبة تبقى عاطلة عن العمل بسبب وجود البطالة الاحتكاكية (مثل انتقال العمالة من مكان إلى آخر ودخول عمالة جديدة إلى سوق العمل) والبطالة الهيكلية (عدم التوافق بين متطلبات سوق العمل وخبرات العمال المتوافرة كتغيُر الطلب على بعض السلع أو تغيُر الفن الإنتاجي على سبيل المثال)، هذه النسبة العاطلة عن العمل هي حاصل جمع البطالة الاحتكاكية زائداً الهيكلية وتُسمى معدل البطالة الطبيعي، حيث تكون عنده جميع أسواق العمل في حالة توازن. وعلى كل حال، هذا المُعدل الطبيعي قد يزيد وقد ينقص تبعاً للدورات الاقتصادية وما تليها من فترات رخاء أو ركود. من المفارقات العجيبة أن تعريف منظمة العمل الدولية للبطالة يتمحور حول أشخاص قادرين ويبحثون عن فرص عمل ضمن الأجر السائد ولا يجدونها وهؤلاء هم من يُقيد في قائمة البطالة، لكن لو نظرنا إلى أوضاعنا في المملكة ودول الخليج العربية لاحتجنا إلى مزيد من الإيضاح. المملكة من الدول النفطية الكبيرة وقد شهدت طفرات نفطية متعاقبة ما يعني تقلبات شديدة في إيرادات الدولة, وبالتالي الإنفاق الحكومي، خلفت وراءها جيلا من الشباب استرخى واعتمد على فرص العمل المُريحة، وفي المقابل قطاعات حكومية وصلت تقريبا إلى درجة التشبُع صاحبها جهود للدولة ـ رعاها الله ـ في تشجيع طالبي العمل بالتوجه للعمل الحرفي بدلاً من الحكومي، يقابل هذا كله قطاع خاص ناشئ وضعيف قد لا تسمح إمكاناته المادية باستيعاب هذه الأعداد الهائلة ضمن متطلبات طالبي العمل وليس سوق العمل, هذا من جهة، ومن جهة أُخرى, حساسية شريحة كبيرة من طالبي العمل للعمل المهني والحرفي بسبب سيادة بعض العادات والتقاليد التي تنتقص من العمل المهني والحرفي في بلد يوجد فيه أكثر من سبعة ملايين عامل أجنبي على أقل تقدير، بينما لم تكن هناك خطوات جادة بما فيها الكفاية لوضع اللمسات الأخيرة على نظام يُحدد الحد الأدنى للأجور حتى يتم قياس إنتاجية الأيدي الوطنية وتحديد إمكاناتها. إن صحة ومصداقية هذه الحقائق والأرقام وضعت صُناع القرار في مأزق حرج, فالبطالة كانت في حدود 11.2 في المائة عام 2007 بإجمالي 400 ألف عاطل عن العمل, منهم تقريباً 59 في المائة من الذكور و41 في المائة من الإناث، ثم تدنت قليلا لتصل إلى 9.8 في المائة لعام 2008، بينما معدل النمو السكاني يفوق 3.24 في المائة ويشكل الشباب أكثر من 50 في المائة من تعداد السكان، وفي المقابل نحو تسعة ملايين من الأيدي العاملة في دول الخليج مجتمعة بينما نجد أن المملكة وحدها أصدرت أكثر من 1.5 مليون تأشيرة استقدام العام الفارط يُشكل ثُلثُها خدم المنازل. إن هذا الاتجاه في أساسه يرجع إلى خلل حقيقي في البنية الاجتماعية، السُكانية والاقتصادية وكذلك في المفاهيم السائدة لدى العامة عن الدولة ودورها المحوري في تحقيق التنمية والتوظيف، ولهذا فالأهمية الارتكازية للحلول يجب أن تكون شاملة وبعيدة المدى، لأن الحلول الفردية الآنية قد لا تكون على المستوى المأمول, ولهذا فالتكاملية في الحلول هو ما يجب أن يكون في جعبة المخططين وراسمي السياسة، لأن تحقيق الأهداف المرسومة قد لا يتحقق إلا على المدى الطويل وعليه لا نتوقع حلولا وقتية سريعة. ومن هذا المنظور، فالوضع الاقتصادي والتنمية يتطلبان وجود عمالة أجنبية وقد خفضت وزارة العمل سقف السعودة من 30 في المائة إلى 5 في المائة في قطاع المقاولات لشُح الأيدي الوطنية.
بناء على المُعطيات سالفة الذكر، ستكون هناك بطالة في الاقتصاد السعودي, ولا غرابة في ذلك, وبالإمكان التسامح والتعايش معها، وبالإمكان إيجاد حلول وقتية قد تُخفف من حدتها ومنها قيام الدولة بتحديد حد أدنى للأجور يأخذ في الحسبان النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما تتولى الدولة دعم القطاع الخاص في توظيف العمالة الوطنية عن طريق تحمل 50 في المائة من التكلفة من خلال دعم مادي مباشر وتسهيلات مادية متنوعة للقطاع الخاص، هذه الحلول المؤقتة تندرج ضمن برامج طويلة الأجل لمُعالجة البطالة تشمل التوعية المُركزة بأهمية العمل والإنتاج وزيادة التعليم والتأهيل والتدريب وتوجيهها الوجهة السليمة وتشجيع المشاريع الصغيرة التي تساعد على الإنتاج والتوظيف وغيرها كثير. وبشكل عام فإن استمرار البطالة بنسب عالية قصور اقتصادي واجتماعي تجب مجابهته بسياسات شُمولية مرسومة على المديين المتوسط والطويل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي