توقعات صندوق النقد لمعدلات النمو في الخليج تثير جدلا بين الاقتصاديين
أثارت التوقعات الجديدة لصندوق النقد الدولي بشأن معدلات النمو المتوقعة لاقتصادات منطقة الشرق الأوسط للعام الجاري جدلا بين أوساط كبار الاقتصاديين الذي شاركوا في جلسة نقاش عقدها الصندوق أمس في دبي، حيث خفض الصندوق توقعاته لنمو المنطقة في تقريره الجديد لشهر أيار (مايو) إلى 2.6 في المائة العام الجاري مقارنة بـ 3.5 في المائة في تقرير سابق للصندوق قبل شهرين و5.7 في المائة العام الماضي.
وجاءت التوقعات الجديدة صدمة لكثير من الاقتصاديين الذين حضروا الندوة التي عقدت في مركز دبي المالي العالمي، حيث توقع التقرير أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في السعودية صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة نموا سالبا بنحو 0.90 في المائة يعاود الارتفاع في العام المقبل إلى 2.9 في المائة، وأن تسجل الإمارات أيضا نموا سالبا بنحو 0.60 في المائة والكويت 1 في المائة في حين توقع نموا إيجابيا قياسيا لقطر بنحو 18 في المائة ولسلطنة عمان 3 في المائة والبحرين 2.6 في المائة.
وتأتي هذه التوقعات التي لم يقدم لها مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط ووسط آسيا الوسطى تفسيرا مقنعا للمشاركين في وقت رفعت غالبية دول الخليج وفي مقدمتها السعودية حجم الإنفاق العام على مشاريع البنية التحتية، حيث رصدت السعودية نحو 400 مليار ريال لمشاريعها الضخمة، وبنيت غالبية الموازنات الخليجية للعام الجاري على أساس أن سعر للبرميل يراوح بين 40 إلى 60 دولارا للنفط ومن شأن استقرار الأسعار فوق 50 دولارا أن تسجل الموازنات الخليجية فائضا وليس عجزا. وهو ما رد به هوارد هاندي المدير العام كبير الاقتصاديين في مجموعة سامبا المالية على مسؤول الصندوق في معرض تحفظه على ما جاء في التقرير، مضيفا أن التوقعات بأن الاقتصاد السعودي سيحقق نموا بنحو 2 في المائة خلال العام الجاري وليس سالبا كما يتوقع الصندوق، مضيفا أن العجز في الموازنة السعودية تحت التحكم ولا يشكل مشكلة حيث تمتلك الحكومة فوائض ضخمة من ارتفاعات أسعار النفط في الفترة السابقة، علاوة على أن الحكومة مستمرة في الإنفاق الضخم على المشاريع ورصدت قرابة 400 مليار ريال لهذا الغرض.
ودعا صندوق النقد في تقريره دول المنطقة إلى اتخاذ عدد من الإجراءات في المرحلة المقبلة، وكما قال أحمد فإنه بالنسبة للبلدان التي لا تشكل مستويات الدين العام فيها مصدرا للقلق يفضل أن تحافظ على مستويات نفقاتها العامة أو تعمل على تعزيرها، وينطبق ذلك على معظم البلدان المصدرة للنفط وكذلك بلدان مثل تونس، سورية، والمغرب.
وقال الصندوق إنه مع تراجع ضغوط التضخم سيتاح المجال أمام بعض الدول لمزيد من التيسير في السياسة النقدية وأن تركز الدول والسياسات الحكومية حماية الفقراء وشرائح السكان الضعيفة.
وقال مسعود أنه رغم الانخفاض الملموس في إيرادات النفط فإن معظم الدول المصدرة له لا تزال محافظة على مستوى الإنفاق الرأسمالي دون تغيير بدعم من الاحتياطيات التي تراكمت خلال سنوات الرواج، ففي الفترة بين عامي 2004 و2008 ومع ارتفاع أسعار النفط واهتمام مستثمري العالم بالمنطقة حققت بلدان الشرق الأوسط المصدرة للنفط نموا سنويا بنحو 6 في المائة سنويا، وجمعت أصولا أجنبية بقيمة 1.3 تريليون دولار، وبدأت مشاريع استثمارية ضخمة لتوسيع الطاقة الإنتاجية وتحسين البنية التحتية، وتمثل هذه الاحتياطيات المتراكمة حاليا أساسا للحفاظ على مستوى الإنفاق العام المرتفع بغية دعم الطلب خلال فترة هبوط النشاط الراهنة .
وأكد أحمد أن مستوى الإنفاق المرتفع في البلدان المصدرة للنفط يعمل على توفير هامش وقائي لاقتصادات هذه البلدان وتوليد آثار إيجابية تنتقل إلى بلدان المنطقة المستوردة للنفط والمساهمة في الطلب العالمي، غير أن هذا الإنفاق يتسبب أيضا في تحول المركز الخارجي للبلدان المصدرة للنفط مجتمعة إلى تسجيل عجز بعشرة مليارات دولار بعدما حققت فائضا ضخما بلغ 400 مليار دولار العام الماضي.
ومن المتوقع أن يسجل نمو إجمالي الناتج المحلي الكلي في البلدان المصدرة للنفط هبوطا حادا من 5.4 في المائة العام الماضي إلى 2.3 في المائة العام الجاري مدفوعا في الأساس بتخفيضات الإنتاج النفطي المتفق عليها في منظمة أوبك، كما أنه من المتوقع أيضا أن يهبط نمو إجمالي الناتج المحلي النفطي من 2.4 في المائة إلى - 3.5 في المائة بينما يتباطأ نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي من 6.1 في المائة إلى 3.7 في المائة، وتشير التوقعات إلى اقتران تباطؤ النمو المحلي وانخفاض الأسعار الدولية للغذاء والسلع الأساسية يتسبب في تخفيض التضخم من 15.6 في المائة العام الماضي إلى 10 في المائة العام الجاري.
ومع ذلك يقول تقرير صندوق النقد الدولي إن الاحتمال كبير في أن تستقر أوضاع الاقتصاد العالمي في الشهور المقبلة لكن هناك عدد من المخاطر التي ينبغي عدم الاستهانة بها وهي احتمالات الركود العالمي طويل الأمد وزيادة تدهور الميزانيات العمومية للمؤسسات المالية في بعض البلدان واستمرار انخفاض التمويل الخارجي أو تحويلات العاملين، وبدأ معظم البلدان تنفيذ سياسات ملائمة لمواجهة هذه المخاطر ومن المرجح أن يتطلب الأمر اتخاذ مزيد من الإجراءات في الفترة المقبلة.
وقال الدكتور ناصر السعيدي رئيس الشؤون الاقتصادية في سلطة مركز دبي المالي العالمي إن تقييمات وتوقعات صندوق النقد تشير ضمناً إلى أن منطقتنا أثبتت مرونتها وأنها أقدر على الانتعاش بشكل أسرع من الدول المتقدمة.
وفي دول مجلس التعاون الخليجي، نجد أن انخفاض سعر الفائدة والتسهيلات في أسواق النقد، إضافة إلى اتباع سياسة مالية مناهضة لتداعيات الدورة الاقتصادية وتقوم على الإنفاق الاستثماري المستدام، وما إلى ذلك من إجراءات وقائية، أسهمت جميعها في زيادة السيولة ودعم القطاع المالي والمصرفي.
وساعدت هذه السياسة السليمة، مشفوعة باحتياطيات مالية ضخمة ناجمة عن الحسابات الجارية والفوائض المالية، في استعادة ثقة المستهلك والمستثمر، الأمر الذي ساعد بدوره في تعزيز مرونة اقتصادات المنطقة وقدرتها على التكيف مع الأزمة".
وأكد السعيدي ضرورة تعزيز الرقابة على الأسواق المالية والمصرفية، وبصورة خاصة، يجب أن يضع صانعو السياسات في صدارة أولوياتهم تطوير عملة نقدية وأسواق مالية محلية لدعم التكامل الاقتصادي والاتحاد النقدي الخليجيين.