اليوم الوطني للنظافة
ما أحوجنا اليوم إلى مَن يتبنى مشروع اليوم الوطني للنظافة وفق خطة مدروسة ومجدولة لكل سنة أو فصل من العام. ومجدولة وفق خطة تتناول جميع أوجه ومحاور النظافة وعلى مدى السنوات العشر المقبلة حتى نقضي على تخلفنا الشديد في موضوع رمي النفايات وعدم المبالاة بالنظافة.
لقد سعدنا بتضافر جهود أمانة مدينة الرياض والمرور في حملة توعية لعدم رمي النفايات في الطرق. وما صاحب ذلك من تحديد غرامات مادية على المستهترين بالنظافة. ومع أنني تمنيت أن يتم نشر إحصائي عن عدد المخالفين. أو أن يتم التشهير البسيط ببعضهم. كأن تكون هناك سيارة خاصة وعليها شعار أمن النظافة ونراها توقف المخالفين ليتعظ المارة من حولها. وهي سابقة تحسب لرصيد أمانة مدينة الرياض على أمل أن تحذو حذوها بقية مدن المملكة وقراها.
متى يعود اليوم الوطني للنظافة والذي أذكره منذ 40 عاماً عندما كنا نخرج من فصولنا الدراسية في المنطقة الشرقية ليوم النظافة الذي يشمل جميع مدارس المدينة. فنجول ونحن طلاب صغار داخل الحي ونقوم بجمع النفايات المرمية على الطرقات. وهو يوم أيقظ الإحساس لدينا منذ الصغر بأهمية النظافة. ولم يكن المقصود منها أننا مع قلة عددنا سنستطيع أن نحل محل البلديات في تنظيف المدينة. وإنما كان الهدف هو أن نحس بمعاناة غيرنا ممن سيقومون بالتنظيف ونحس بمدى التشويه والتلوث وعدوى انتشار الأمراض في الحي الذي نسكنه ليشمل ذلك بقية أحياء المدينة. فيوم النظافة يزرع في نفوس الأطفال منذ الصغر مبدأ المحافظة على نظافة المدينة. خاصة أنه من الصعب زرع ذلك في عقولنا بعد أن كبرنا، فنحن جيل فاتت علينا ولكن الأمل في الجيل القادم.
انفردت أمانة منطقة الرياض بمبادرات للتوعية بالنظافة وخاصة في المناطق البرية حول المدن مثل الثمامة وغيرها. ثم مشاريع صغيرة لبعض البنوك والشركات الكبرى. ومع أنها مبادرات جيده إلا أن المطلوب أن تتفاعل جميع الجهات الحكومية والخاصة لتخصيص يوم أو أيام للنظافة.
وبالطبع كان هناك بعض التحفظ من بعض العائلات وعدم قبولهم فكرة قيام أبنائهم بالنزول إلى هذا المستوى كعامل نظافة، بينما هي فقط للإحساس الرمزي، كما أن النظافة والتقاط النفايات مبدأ إنساني سام، وأحد أهم القيم الحضارية التي يدعونا إليها ديننا الحنيف "إماطة الأذى عن الطريق صدقة".
وكاستمرار لهذا المجهود فإنني أرى أن يتم الدعوة ليوم وطني للنظافة يتم من خلاله تخصيص يوم دراسي أو نصفه وعلى مستوى جميع مدارس المملكة وخاصة الابتدائية. مع وضع برنامج توعوي قبل البدء بالموضوع، وأن يتم التنسيق مع الجهات الخدمية الأخرى للمشاركة في إرشاد الطلاب إلى أهمية النظافة ومدى ضرورتها لحماية البيئة والحماية من انتشار الأمراض. مع أخذ الاحتياطات اللازمة لحماية هؤلاء الأطفال بالتعاون مع المرور والشرطة للتحكم في المرور داخل الأحياء حتى لا يتعرض أطفالنا للحوادث. وأن تقوم وزارة الصحة والبلديات ومقاولي النظافة بدعم الموضوع وبتوزيع واقيات بلاستيكيات للأيدي وكمامات وأكياس للزبالة وغيرها حتى لا يصاب الأطفال بالأمراض أو التلوث.
وأن يكون لكل يوم وطني للنظافة محور للتوعية أو سجية يتم التركيز عليها كل سنة أو مناسبة مثل يوم إعادة تدوير النفايات ويوم نظافة الحدائق العامة ويوم عن التوعية بالأمراض التي تسببها النفايات ويوم عن نظافة الشوارع وهكذا.
واستمراراً لما سبق أن طرحته عن أهمية تأثيث الطرق أعيد لأؤكد على أهمية تنظيم صناديق النفايات ووضعها المزري والعشوائي في مدننا، وهو ازدراء واضح لمستوى الحس الذوقي للمواطنين وأحياناً نكون نحن كأفراد السبب وراء ذلك. فمتى نعطيها حقها من الاهتمام كأحد دلائل تحضر المجتمع ونمو حس المواطن وذوقه للتمتع بالتجول في مدينته التي يقضي معظم يومه تجوالاً في شوارعها لقضاء واجباتنا العملية والاجتماعية. حيث إن الطرق عالمياً تعد من أهم وسائل الترفيه والتمشية فنسمع عن شارع الشانزليزيه أو أوكسفورد والمحال والمطاعم التي تطل عليها. ومن هذا المنطلق نرى أن معظم مدن العالم المتحضر تعتني بتنسيق وتأثيث الشوارع واللوحات وأسماء المحال وطريقة تثبيتها بحيث تضفي جمالا ومتعة للمارة. وهو علم قائم بذاته وله مقايساته الهندسية الدقيقة والعالمية ومراجعه المتعددة التي تحدد أنظمته ومواصفاته وطريقة رصف الرصيف وتحديد مسارات المشاة والدراجات ومنحدرات واضحة للمعوقين ولمداخل المواقف مع العناية بالتشجير وتوفير مظلات ومقاعد الانتظار وأعمدة الإنارة واختيار أشكال جميلة لسلات النفايات وصناديق البريد وكبائن الهاتف وطريقة تأثيثه وتنظيم مواقع اللوحات سواء للمحال التجارية أو الإعلانية على واجهات المباني. والتي تهدف في مضمونها إلى مراعاة الذوق العام وإضفاء جو المتعة والرفاهية لسكان المدينة. وهي مراجع تقطع بذلك ذريعة الاجتهاد الشخصي من بعض المسؤولين الكسولين، بينما هناك مراجع واضحة ودقيقة لاتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية تغني عن هذا العذر الواهي وعدم المبالاة بالذوق العام.
ومن خلال هذا اليوم الوطني، فإنني أعتقد أن الكبار سيخجلون مما يقدمه الأطفال فيساعد ذلك على خلق روح الغيرة والنشوة لديهم ويوقظ فيهم الإحساس المتبلد والتجاهل لأهم القيم الحضارية. حيث إننا نرى مساهمة بعض المواطنين محدودة في توعية أبنائه أو حتى في نظافة الحي أو على الأقل مقدمة منزله ومحاولة تسديد النقص بقدر المستطاع لتلافي ما نراه اليوم من الأنانية الحضرية، حيث أصبح كل يرمي ببرميل النفايات عن حدود موقعه إلى جاره، وأصبح عامل النظافة مشدوهاً أين يضعه ليستقر أحياناً في وسط الطريق ويعرقل سير العابرين دون أن يعبأ أحد بسنة إزالة الأذى عن الطريق أو تخصيص مكان صغير لجمعها.
فالنظافة هي عنوان الإنسان وتعبير عن تمدنه و تحضره، فالإنسان الذي يولى اهتمامه بمظهره ونظافة ملبسه وسيارته لا بد أن يكون لديه بعض الإحساس بأهمية العناية بمظهر واجهة منزله أو محله والاهتمام بإماطة الأذى عن الطريق، حيث إن صناديق النفايات أسوأ أنواع الأذى وطريقة وضع اللوحات الخارجية، وأنها جزء من شخصيته وعدم الاهتمام بها يعد نقصا في شخصيته الاعتبارية كمواطن صالح يسعى للمصلحة العامة.
ولا يفوتني في هذا المجال أن أشد على أيدي المسؤولين في البلديات ومن منطلق الحرص على الوصول إلى حلول تخطيطية جيدة لمشكلات النظافة وصناديق النفايات، وأن أقترح قيام البلديات بعمل نماذج لفتحات داخل الأسوار تفتح من داخل المنزل أو خارج مجموعة المحال التجارية إلى برميل الزبالة مع عمل قفل الأمان اللازم (هذا النظام كان مطبقاً قديماً في مدينة الخبر والآن في الحي الدبلوماسي في الرياض)، وأن يلزم كل مالك عمارة أو مركز تجاري بتخصيص موقع جانبي أو خلفي لصناديق النفايات مثلها مثل غرف الكهرباء والعدادات أو أن يخفي موقعه بحوائط أو قواطع خفيفة تخفي على الأقل منظرها المزري، على أن تكون العملية مسهلة لنقلها بسيارات نقل النفايات.