السيولة النقدية ومعضلة الإقراض

نشر حركة السيولة النقدية بشكل أسبوعي أمر حميد تشكر عليه مؤسسة النقد, وملاحقة المراقبين لتفسيرها قد تخلق تناقضات ما لم يصدر بيان توضيحي رسمي حول حركة السيولة. فارتفاع المعروض النقدي في الأسبوع ما قبل الماضي ليتجاوز تريليون ريال، ثم انخفاضه في الأسبوع الماضي بنحو 11 مليار ريال لتصل إلى نحو 989 مليار ريال يدعونا للاجتهاد في تفسير تلك الظواهر الأسبوعية في حركة الكتلة النقدية. فالمتابع يلاحظ انخفاض معدل الإقراض بين البنوك الــ (سايبور) لثلاثة أشهر إلى نحو 0.75 في المائة، و1 في المائة لمدة ستة أشهر، بينما وصلت على اليورو (على سبيل المثال) 1.3 في المائة و1.35 في المائة على التوالي، بينما كانت بنسبة 0.70 في المائة و1.25 في المائة على الدولار للفترة نفسها, ما يوحي بتوجه النقد إلى العملات الأخرى، وقد يكون بعض النقد قد تم تحويله إلى خارج البلاد للاستثمار في ودائع ومرابحات بعوائد أعلى. وقد شهد الأسبوع الماضي ارتفاعاً ملحوظاً في سوق الأسهم السعودية، حيث تجاوز المؤشر 5800 نقطة، وبمعدلات سيولة تجاوزت تسعة مليارات ريال في بعض أيام الأسبوع, حيث إن السيولة بدأت تتجه إلى سوق الأسهم السعودية في ظل تزامن تحفظ الشركات على مزيد من الاستثمار مع تشدد البنوك في عمليات الإقراض للشركات، وتوجهها للأفراد ذوي الملاءة المالية الجيدة، حيث يعتقد أن بعض هؤلاء الأفراد يستخدمونها للتعامل في سوق الأسهم السعودية.
وقد يكون هناك توجه من مؤسسة النقد لبناء احتياطيات خارجية بعوائد أفضل خارج البلاد، خصوصاً أن موجودات مؤسسة النقد قد تراجعت في آذار (مارس) للمرة الرابعة على التوالي. فحسب تصريح محافظ مؤسسة النقد لصحيفة "الرياض" يوم الخميس الماضي، فإن "سبب تراجع موجودات المؤسسة يعود إلى انخفاض أسعار ودخل النفط بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي، في الوقت الذي استمر فيه الصرف الحكومي، وصرف القطاع الخاص على مستوياتهما المرتفعة للمحافظة على معدل نمو اقتصادي جيد". وهذا وحده يفسر النمو المتسارع في عرض النقود في الأسابيع الأخيرة، ويفسر جزئياً انخفاض موجودات المؤسسة. إذ يمكن القول بأن تقييم أصول الموجودات قد انخفض في الربع الأول من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي, أسوة بالانخفاضات التي حدثت في أسواق واقتصادات العالم، الأمر الذي لم يتطرق إليه المحافظ, ونحتاج إلى معرفة مقدار الخفض بسبب إعادة التقييم إن وجد.
وبشكل عام، فإن تمتع المملكة بهذه السيولة العالية، والاحتياطيات الضخمة، مع مواصلة الحكومة للإنفاق يخلق اطمئناناً كبيراً لقدرة الاقتصاد المحلي على التعافي. فمؤشرات السيولة، وارتفاع سوق الأسهم هي مؤشرات إرشادية تساعدنا على فهم توجه الاقتصاد. وتظل المعضلة في إخراج البنوك من تشددها في عمليات الإقراض. فالعقاريون يشتكون من عزوف البنوك من إقراضهم، والمقاولون يرددون المشكلة نفسها، وقطاعات عدة في الاقتصاد تتحدث عن التحفظ الشديد للبنوك في عملية الإقراض التي قد تكون أحد العوامل المهمة في استمرار تباطؤ اقتصادنا المحلي. والمطلع على الملاءة المالية للبنوك المحلية ومعدلات الإقراض والودائع قد يعطيها العذر في هذا التحفظ نتيجة ارتفاع معدلات الإقراض إلى الودائع، ومعدلات كفاية الرساميل التي بدأت في التضاؤل. وقد تصبح تلك المعدلات هيكلية لا يمكن الخروج منها بسهولة، ما يتطلب تقديم حلول عملية وقوية في هذا الاتجاه. ولعل منها ودائع حكومية ضخمة لمدد طويلة ومعلومة، والبدء في تطوير السوق الثانوية للصكوك والسندات، حتى يمكن للبنوك من الاقتراض من السوق المحلية، وتشجيع البنوك على رفع رؤوس أموالها، مع تشجيع البنوك الصغيرة على الاندماج، أو السماح للبنوك الكبيرة بالاستحواذ عليها. ولن أضرب أمثلة بأسماء البنوك المرشحة للاندماج أو الاستحواذ، فمن السهولة معرفة تلك البنوك بالاطلاع على قوائمها المالية المنشورة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي