تحسُّن سعر برميل النفط يعيد التركيز على وضع الإمدادات
حقق سعر برميل النفط أعلى معدل له خلال فترة ستة أشهر عندما بلغ 58 دولارا للبرميل، الأمر الذي أعاد التأكيد على الإحساس في السوق أن الأسوأ تم تجاوزه بعد التحركات الدولية في مواجهة الأزمة المالية، وعادت إلى الواجهة بعض الهموم الأخرى، وعلى رأسها إذا ما كانت فترة التراجع السعري الحاد منذ النصف الثاني من العام الماضي ستؤدي إلى ضمور في الطاقة الإنتاجية المتاحة التي ستوفر الإمدادات التي يطلبها المستهلكون مستقبلا.
وهذا الإحساس فيما يبدو وراء التحركات الأخيرة لبعض الشركات الرئيسية، سواء الوطنية مثل "أرامكو" أو الأجنبية الكبيرة مثل "رويال دتش. شل" و"بي. بي" للدخول في التزامات لرفع طاقتها الإنتاجية.
ففي أواخر الشهر الماضي أعلن المهندس علي النعيمي وزير النفط السعودي إبان حضوره مؤتمرا نفطيا في طوكيو، أن بلاده ستصل بطاقتها الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل يوميا في منتصف هذا العام، علما بأن التقديرات السائدة أن تلك الطاقة كانت في حدود 11.3 مليون بنهاية العام الماضي.
وتشير دوائر مطلعة في أروقة الصناعة النفطية إلى أن فترة الشهرين الحاليين ستشهد إضافة مليون ونصف المليون برميل يوميا من استكمال وتجربة وتشغيل، ما يضاف إلى حقل نعيم بحجم 100 ألف برميل يوميا، و250 ألفا إلى حقل الشيبة في الربع الخالي إلى جانب 1.2 مليون من حقل خريص، وهي أكبر إضافة من نوعها، وتشكل في حد ذاتها معدلا إنتاجيا لعديد من الدول.
ومع احتمال ورود زيادات صغيرة أخرى وكون حجم الإنتاج الراهن في حدود ثمانية ملايين برميل يوميا، فإن السعودية مرشحة لأن تكون لديها طاقة إنتاجية فائضة تقارب خمسة ملايين برميل يوميا، متجاوزة بذلك التقليد السائد أن تحتفظ بفائض إنتاجي يراوح بين مليون ومليوني برميل يوميا يمكن استغلالها عند حدوث أي أزمة انقطاع في الإمدادات من أي عضو ولأي سبب.
وتمثل الخطوة السعودية قراءة مستقبلية لوضع السوق، إذ أسهمت الأوضاع المتردية الحالية في تراجع في الاستثمارات المخصصة للتوسع في المشاريع القائمة أو البدء بمشاريع جديدة، كما كانت يخطط عديد من الدول الأعضاء في "أوبك".
ولعل أبرز إشارة محددة على مستقبل الطلب ما ورد من نمو في واردات الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، إذ تشير الأرقام المتاحة إلى أن واردات الصين النفطية شهدت خلال آذار (مارس) الماضي نموا بنسبة 39 في المائة إلى 3.84 مليون برميل يوميا مما كانت عليه في شباط (فبراير) الماضي، الأمر الذي يعطي مصداقية لموجة التفاؤل التي بدأت تغمر الأسواق أن بعض الإجراءات المتخذة ومن بينها إجراءات التحفيز الاقتصادي بدأت تؤتي أكلها.
ومعلوم أن الصين إلى جانب الولايات المتحدة طرحتا خططا ووفرتا تمويلا لتحفيز النشاط الاقتصادي في بلديهما، وبحجمهما الاقتصادي الكبير فهما مرشحتان لتشكلا قاطرة النمو التي يمكن أن تسحب معها بقية الاقتصادات العالمية.
ولا تقتصر هذه الخطوة على السعودية وشركتها الوطنية "أرامكو"، التي يمكن القول إنها تتصرف من منطلق ريادتها ووضعيتها كأنها البنك المركزي للصناعة النفطية، وإنما يضاف إليها ما قامت به بعض الشركات النفطية الرئيسية "رويال دتش. شل و"بي. بي"، التي تخطط للاشتراك الشهر المقبل في منافسات للفوز بعقود في ميدان خدمة الصناعة النفطية العراقية.
وتكتسب الخطوة أهميتها أنها تحدث ولأول مرة منذ ست سنوات، أي منذ الغزو الأمريكي للعراق وإسقاط النظام السابق، كما تكتسب الخطوة قيمة إضافية كونها تشير إلى رغبة الشركات في أن يصبح لها موطئ قدم في البلد الذي يحتفظ بثالث أكبر احتياطي نفطي معروف ويبلغ 115 مليار برميل، ولها الرغبة في فتح المجال أمام الشركات الأجنبية للعمل فيه، وهو ما لا تتيحه السعودية وإيران، وهما صاحبتا أول وثاني أكبر احتياطي نفطي.
وبسبب هذه الميزة تجاوزت الشركات عما كانت تطالب به طوال هذه الفترة، وهو صدور قانون واضح لتنظيم العمل في الصناعة النفطية العراقية خاصة فيما يتعلق بعلاقة المركز بالأقاليم وتحديدا الكردية منها وكذلك تحسين الوضع الأمني، بما يقلل من المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المستثمرون، لكن ضخامة الاحتياطي وما بدأ يبرز في الأفق أن السوق تحتاج إلى مزيد من الإمدادات دفعا بالشركات إلى التركيز على الاشتراك في المنافسة للفوز ببعض العقود، حيث تطرح ستة حقول تحتوي على 44 مليار برميل ويراوح حجم الاستثمار المطلوب لها بين 500 مليون دولار كالرميلة و200 مليون كما في حالة المنصورية.