في مواجهة انتشار الأمراض المعدية
إن تنقل البشر في هذا العالم من بيئة إلى أخرى متفاعلين ومشتركين في كل موارده وما تحويه هذه البيئات المختلفة من مكونات طبيعية وغير طبيعية لهو أكبر دليل على تغير أو تطور تكوين كثير من المخلوقات التي تعيش فيها متكيفة مع البيئة المحيطة بها لتحافظ على بقاء نوعها وتتجنب الهلاك. ما يهمنا كبشر هو ماذا يمكن أن نقوم به تجاه بعضنا بعضا لجعل الإنسان يحيا حياة صحية نظيفة كريمة سعيدة بأمر الله؟. هل شراكتنا في المعيشة مع هذه الكائنات وقربنا منها أو من يحملها يجعلنا نفهم أنماط معيشتها فنتمكن من حماية أنفسنا والتعامل معها بوقف ضررها على الجنس البشري؟. هي محاولات ولكن لابد أن تكون جادة ومستمرة ولا تقف عند حد.
في السعودية استوطنت بعض الطفيليات وانتشرت أنواع من الفيروسات والبكتيريا وانتقلت بين الإنسان والحيوان وتسببت في أمراض ووفيات, كما هو الحال في كثير من دول العالم. كل هذه الخبرات المتجمعة والمعلومات المتراكمة تعتبر تجارب مؤلمة تعلمنا منها الكثير, إلا أن إدارة هجمات الأمراض المعدية تحتاج منا إلى تطوير دائم في آلية العمل والتوعية والمكافحة والعلاج ومن ثم وضع الإجراءات الاستباقية والاحترازية تحقيقا لسلامة الوطن والمقيمين فيه. من وجهة نظر خاصة لابد أن نبدأ من استمرار التيقظ في متابعة تطور خريطة انتشار الأمراض المعدية على مستوى العالم قبل متابعتها في قارة أو منطقة أو محيط، ولأننا لم نعد مكانا معزولا وقد أصبحنا حتى بالصحاري وجهة سياحية للكثير من سكان الكرة الأرضية. بالنسبة إلى ما نمر به الآن من تنامي الإصابة بمرض إنفلونزا الخنازير فاعتقد أن علينا مراجعة الإحصاءات السابقة عن الأمراض المعدية، حيث أعتقد أنها تنبئ بشيء وأعتقد أن بعض المكاتب ستوجه مسار الخطط التنفيذية حسب نتائج هذه القراءات والتحاليل التي أعتقد أيضا أنها تتم من قبل نخبة أكاديمية ومهنية تمرست في هذا المجال دوليا ومحليا. هذه المرة نريد أن ينظر الموضوع من زاوية أخرى استفادة من الوقت، حيث إن وجود القدرات الطبية في التخصصات الطبية البشرية (ممثلة في وزارة الصحة) أمر أساس, إلا أنه لا يلغي أبدا إيجاد القدرات نفسها في تخصصات الطب البيطري لتكون أيضا وزارة الزراعة في الصورة من حيث الدعم والاشتراك في القرار على مدار العام. هذا لا يقلل من أهمية باقي أعضاء الفريق الواجب تواجدهم على طاولة المتابع مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية والهيئة الوطنية لحماية البيئة والحياة الفطرية وجمعية الأحياء الدقيقة والأمراض المعدية والهيئة العليا للسياحة وآخرون من جهات مسؤولة أخرى, فالجميع يتطلع لخدمة هذا الوطن الكريم وجعله وجهة السائحين والزوار والمستكشفين كما هو قبلة الحجاج والمعتمرين. هذا يقودنا إلى طلب تأسيس محاجر في المدن الداخلية وتجهيزها بأفضل وأحدث التقنيات مع زيادة الاهتمام بما في المنافذ الحدودية ثم وضع خطة لتوفير 100طبيب بيطري سعودي سنويا خلال السنوات الخمس المقبلة يكرسون جهودهم في متابعة ومكافحة الأمراض المعدية الفيروسية والبكتيرية والطفيلية في الثدييات والطيور والأسماك. يمكن أيضا توجيه 30 إلى 40 طبيبا منهم (سنويا) للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراة لأهمية إعداد مستويات استشارية في هذه التخصصات بالذات.
بعد ذلك, من الأهمية بمكان أن نعمل على إيجاد مختبرات متخصصة ومركزية قوية تجهيزا وتشغيلا تساند القائمة على فحص العينات البشرية والحيوانية وتقوم بالدراسات المختلفة مرتبطة بهيئة أو جمعية متخصصة لوحدة المرجعية عند حدوث الأزمات أو انتشار الأوبئة وحتى لا نبقى مكشوفين في الأوقات الحرجة بانشغال مسؤول بمهام أخرى. من مهام هذه المختبرات التقصي والتنبؤ الدائم بتوجه وأنماط انتشار الأمراض المعدية في العالم والمنطقة وعلى المستوى المحلي. أما تدريب من سيعمل فيها فلابد من استقطاب أعداد متميزة من خريجي العلوم الطبية والعلوم الصحية وبعض من حملة الماجستير في الكيمياء الحيوية وبعض التخصصات الأخرى وتدريبهم على رأس العمل بين ثلاث وأربع سنوات على أكثر تقدير ليكون لدينا كفاءات متميزة للعمل بالمختبرات المتخصصة في هذا المجال. أما من ناحية المستشفيات المتخصصة (الحميات مثلا) فقد أصبحت ضرورة ملحة تجعلنا نتوقع تشغيلها وبطاقة كاملة مع نهاية هذا العام أو العام المقبل حتى ولو كانت مبدئيا متحركة Mobile.
حاليا لابد من الاستفادة من جميع الإمكانات ووضعها في موقعها الصحيح، فالدروس السابقة جعلت وزارة الصحة محط الأنظار والأسماع والمتابعة، وما نريده فعلا هو أن تضيف إلى أدائها العملي هو التحلي برؤية ثاقبة لمستقبل الوضع الصحي "صحياً واقتصادياً". إن تحذير وزارة الصحة بخصوص إنفلونزا الخنازير ونشر الخطة الوطنية للوقاية من انتشار مرض الإنفلونزا مبادرة جيدة جاءت في توقيت جيد وتحسب لها, وإن كنت أرى أن يكون التحرك أكثر سرعة وأفضل انتشارا وأشمل من حيث التوعية. أما توجهها لعقد مؤتمر عن هذه الإنفلونزا فهو دلالة على بداية الانطلاق مرة أخرى في مواجهة العوارض بشكل مدروس. أتمنى أن تكون اللغة في المؤتمر بسيطة قدر الإمكان والتعريب قدر الإمكان لأنه سيضفي على اللقاء سمة خاصة في هذه الظروف. يهمنا كثيرا أن يكون جزء كبير من الرسالة موجها للممارسين الصحيين، فماهية الجرثومة وكيفية التشخيص والعلاج وتوقيت ذلك وإجراءات أخرى صحية لابد أن تكون معروفة لدى الممارس الصحي ومستوعبة تماما. أما ما يتعلق بتسخير تقنية الاتصالات والمعلومات لتبادل المعلومات والمشاركة فيها بين الجهات المعنية والمزامنة مع ما يستجد على الصعيد الدولي ومدى أهميتها صحيا وعلميا واقتصاديا فسيتم تغطيتها لاحقا ـ بإذن الله, والله المستعان.