رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


حكمة المملكة في مُعالجة الهدر الاقتصادي والمالي!!

حسناً فعلت حكومتنا المُوقرة، موضوع طالما كان التكتم نصيبه، وبروح من شجاعة القائد وحنكته السياسية والاقتصادية وثاقب نظره تسلم مولانا ـ حفظه الله ورعاه ـ التقرير المُشتمل على الهدر المالي في بلادنا ـ حفظها الله ـ والبالغ في حدود الـ 109 مليارات ريال من معالي رئيس ديوان المراقبة العامة، والذي يُعد في الوقت نفسه هدرا للفرص الاقتصادية التي كان من الممكن توظيفها وتوطينها لأبناء الوطن لتحقيق المزيد من الإنتاج ومن ثم المزيد من الدخول.
بدايةً من المهم التأكيد على أن تحديد المُشكلة سيسهم في سرعة حلها وأن محاربة التجاوزات الإدارية بجميع صورها وأشكالها من خلال الالتزام بالقوانين والأنظمة المرعية سيُحقق التنمية المستدامة الإدارية منها والاقتصادية. فظاهرة تجاوز القانون عالمية الانتشار متفاوتة النسب من مجتمع إلى آخر، حيث إن تجاوز الأنظمة والقوانين الموضوعة معناه وضعها في الأدراج وهذا لا شك هو التخلف الإداري بعينه والذي سيؤثر سلبا في الأداء العام والإنتاجية بصورة شاملة ومن ثم التنمية بجميع أشكالها. ففي هذا العصر، عصر المتغيرات من تقدم تكنولوجي وثورة معلوماتية قربت البعيد وربطت أرجاء المعمورة، والتحولات الاجتماعية، السياسية والاقتصادية نجد إننا ما زلنا نُعاني آثار التخلف الإداري والاقتصادي بسبب وجود الازدواجية الاجتماعية وهي الحالة التي يعيشها المجتمع بسبب وجود تعارض ما بين النظام الاجتماعي السائد، الأعراف، التقاليد المهيمنة وما بين النظام الاجتماعي المستورد والذي يشمل نظام اقتصادي متقدم ومعاصر، حيث إن كل نظام اجتماعي يمثل فكراً اقتصاديا وعليه فإن الفكر الاقتصادي السائد غربي المنشأ والولادة ويتصادم مع الكثير من المفاهيم الاجتماعية المُتعارف عليها ما يخلق نوعاً من التجاذب مابين النظامين الاقتصادي والاجتماعي وينعكس سلباً على أداء الوحدات الاقتصادية، ومن بعد عدم قدرتها على تحقيق الأهداف المرسومة لها ضمن خططنا الموضوعة. باختصار النظام الاقتصادي يحوي نمطا سياسيا ومرتكزا ثقافيا وأخلاقيا واجتماعيا يعتمد على الأخلاق وسلطة القانون والنظام، فتراجع النظام وضعف سيادة القانون ستُضعف الأخلاق ومن ثم تتراجع عموم الأنشطة وبالتالي التنمية التي نسعى للوصول إليها. وبالنسبة لبعض مظاهر التجاوزات الإدارية والتي ينتج عنها الهدر المالي الميل نحو مخالفة القوانين وتجاوزها كنوع من الوجاهة الاجتماعية وتأكيد قدراته على التأثير والنفوذ، قبول التجاوزات والتعايش معها لتصبح سلوكاً عادياً، ازدياد الفوارق الاجتماعية المادية ليتشكل المجتمع من شريحتين فقيرة تسعى للحصول على لقمة العيش وغنية تهرول للمزيد من الثراء، والتداخل ما بين الإدارة والسياسة وتأثير ذلك في بقية السلطات التشريعية والقضائية. إن المسألة لم تقف عند هذا الحد، فعند التأمل في بعض الأسباب التي تؤدي إلى شيوع التجاوزات الإدارية وتفشيها ممكن الإشارة إلى السياسات غير المدروسة، تباين الدخول، التحول السريع إلى القطاع الخاص (الخصخصة) من غير تأن ورؤية ودراسة مستفيضة، في المنطق الاقتصادي عدم وجود التوازن ما بين العائد والتكلفة فإذا كانت العقوبات غير رادعة فإن التجاوزات النظامية ستزداد بحكم أن العائد مجز في هذه الحالة، مطاطية بعض القوانين والأنظمة ما يجعلها قابلة للتفسير بأكثر من طريقة، وأخيراً الاستجابة المُلحة للعادات والتقاليد الموروثة والسائدة في المجتمع والتي تدفع المؤمن بها إلى تجاوز الأنظمة كي يتحقق الرضا عنه، وهذه تُذكرنا دائماً بالمقولة الشهيرة "فلان ما به خير لجماعته". ومن هذا العرض تتبين لنا مدى فداحة ما يتكبده المجتمع من خسائر مالية وهدر للفرص الاقتصادية التي لو استغلت ووُظفت لحققت الكثير من العوائد للمجتمع.
على أنه من الضروري عملياً تحديد بعض المُقترحات التي قد تُساعد في الحد من التجاوزات الإدارية والتي سيترتب عليها المزيد من توفير المال العام. تأسيس لجنة مركزية مُتخصصة هدفها تحديد أولوية المشاريع الحكومية جميعها الواجب تنفيذها على أن تبدأ بالأهم فالمهم وعلى من تتم الترسية مع مراعاة شروط من تنطبق عليه ومدة التنفيذ وتتخصص في المشاريع التي تزيد على 100 مليون ريال، بينما تكون هناك لجان فرعية في كل وزارة هدفها التدقيق في المشاريع الصغيرة المُزمع تنفيذها والتأكد من مطابقتها للشروط والمواصفات، كما تشمل اللجنة المركزية فئات نخبوية من تخصصات مختلفة ومحايدة ولها علاقة بالمشاريع. هذا التوجه يؤدي إلى مزيد من الرقابة وتوطين وظائف جديدة في هذه اللجنة واللجان الفرعية والتي تهدف إلى التأكد من نوعية المشاريع وأهلية من يقوم بها والشروط الواجب تطبيقها وكذلك متابعة التنفيذ وبدقة، فلو افترضنا توظيف ما بين 1 و2 في المائة من القوى في القطاع الحكومي والتي ستكون ما بين 10 و20 ألف موظف وبمتوسط راتب خمسة آلاف ريال شهرياً لغدت التكلفة في حدود الـ 600 إلى 1200 مليون ريال سنوياً. مثل هذا التوجه سيخلق فُرص عمل لأبناء الوطن ويحقق هدفا أساسيا وهو وقف الهدر غير المُبرر للمال العام والاستفادة من هذا الوفر وتوجيهه للقنوات المهمة للتنمية من تعليم وصحة واستثمار متنوع يخدم الوطن. وليس شيئاً جديداً أن نقول بأهمية تطبيق برامج توعوية هادفة من خلال وسائل الإعلام المُختلفة لتأكيد دور المواطن في أهمية المُحافظة على مكتسبات التنمية من مشاريع عامة وخدمات لأن الإساءة إليها إساءة إلى الوطن وسيدفع المواطن فاتورتها بطريقة غير مباشرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي