حتى لا ينظر المواطن إلى قسط التأمين باعتباره رسماً حكومياً
بادئ ذي بدء نعترف جميعاً بأن الناس على اختلاف مللهم ونحلهم وبلدانهم لا يرحبون لا بالضرائب ولا بالرسوم، فهم يعتبرونها عبئاً مالياً عليهم، وأكثر من ذلك فمندوب الضرائب يعد لدى كثير من المجتمعات من الشخصيات البغيضة غير المرحب بها.
ولهذا السبب نلحظ أن كثيراً من المرشحين في الدول التي تعتمد على الضرائب يدغدغون مشاعر ناخبيهم بتقديم الوعود لهم بتخفيض الضرائب عنهم. ولكن سرعان ما تتلاشى هذه الوعود نظراً لعدم واقعيتها على اعتبار أن الضرائب تعد عصا سحرية لاقتصاد أي دولة ووسيلة لحل بعض المشكلات الاقتصادية وضبط وتيرة الاقتصاد أو حتى تحفيزه في بعض الجوانب.
فقد لا يكون الهدف من الضرائب ملء خزانة الدولة بالنقود بقدر ما يكون الهدف هو توجيه اقتصاد الدولة أو حتى ضبط وتوجيه سلوكيات رعاياها الاقتصادية أو إعادة توزيع الدخل أو الثروة. والمواطن لدينا لا يختلف عن غيره فهو أيضاً لديه حساسية ملحوظة من الضرائب أو الرسوم، وإن كان الأمر مختلفاً لدينا نظراً للبعد الديني المرتبط بإخراج الزكاة، فالحساسية في الغالب تخص ما تفرضه الدولة من رسوم مالية مقابل الخدمات التي تقدمها، وربما كان السبب يكمن في نظرة المواطن بأن تلك الرسوم لم تقابلها خدمات ذات مستوى مقبول أو أن بعضاً منها لم تنل نصيبها من التثقيف وإيضاح الغايات التي تقف وراء فرضها على المواطن.
فالمواطن وهو معذور في استخدام معادلته الخاصة عندما يحسب المقابل الذي يدفعه والخدمة التي يتلقاها فهو لا يعلم بالغاية الحقيقية من الرسم، فقد يكون الهدف هو الترشيد أو حتى التقليل من الحصول على الخدمة تحقيقاً للمصلحة العامة مثل رسوم الاستقدام على سبيل المثال فقد يكون مبلغ الرسم مرتفعا بينما الخدمة التي تقدمها الإدارة المعنية لا تتناسب مع مبلغ الرسم أو العكس كذلك. كما يختلف الرسم عن الغرامة في أن هذه الأخيرة هي عبارة عن عقوبة نتيجة اقتراف فعل محظور نظاماً بينما الرسم هو مقابل حصول أو تمتع الشخص بخدمة تقدمها الدولة له. ويتفق الرسم مع المخالفة في كونهما مبلغا ثابتا لا يختلف باختلاف شخص من يدفعه.
الطريف في الأمر أنه حينما تم فرض التأمين الإلزامي على الرخصة ومن ثم المركبات ظن كثير من الناس بأن هذا التأمين هو طريقة مستحدثة من جانب الدولة لفرض رسوم على المواطن، وعزز من هذا التصور كون التعاونية للتأمين وهي الوحيدة المرخص لها في ذلك الوقت مملوكة للدولة، ولم يستطع كثير منهم أن يفرق بين قسط التأمين والرسم الذي تتقاضاه الدولة، بل إن الكثير مازال يخلط بينهما ولا يزال يستخدم عبارة (رسوم التأمين) بدلاً عن قسط التأمين.
وقد يكونون معذورين في ذلك بسبب أن كثيراً من شركات التأمين اعتمدت مبلغاً لا يتغير لقسط التأمين، فهو واحد وإن اختلف شخص العميل فأصبح القسط مشابهاً إلى حد كبير للرسم. مع العلم بأن القسط تجاري بتركيبته وطريقة احتسابه، بل إن كثيراً من العوامل لها تأثير في احتساب القسط حتى وإن قلت أهميتها، فعلى سبيل المثال يؤثر في احتساب قسط تأمين المسئولية على المركبات عدد سنوات القيادة وسن القائد وسجله المروري من حيث المخالفات والحوادث المرتكبة ونوع المركبة المستخدمة في السير وما إلى ذلك، فكثيراً ما تؤرقني عدالة ذلك المبلغ الجامد الذي نعتبره تجاوزاً قسط تأمين بينما قسط التأمين ينبغي أن يكون شديد الحساسية للمتغيرات ومعتمدا في احتسابه على عوامل متناهية الدقة ولعل أهمها عامل حصول الخطر الذي يعتمد عليه احتساب القسط بدرجة كبيرة.