مدينة عسير الاقتصادية للسياحة (2 من 2)
في الجزء الأول من هذا المقال تحدثت عن اهتمام الدولة بالمدن الاقتصادية ودورها المأمول في دعم الاقتصاد والتنمية المحليين. ثم تطرقت إلى أهمية ودور السياحة للمجتمع ودعم الاقتصاد الوطني، مستعرضا مجموعة من النشاطات الاستثمارية المرتبطة بالنشاط السياحي العام. وأشرت أيضا لما تمتاز به مناطق المملكة من مقومات طبيعية، وخصوصا الوجهة السياحية الأولى في المملكة منطقة عسير. واختتمت المقال السابق بالإشارة للدور الرائد الذي تضطلع به الهيئة العامة للسياحة والآثار في مجال دعم وتطوير السياحة، واستقطاب الاستثمار الجاد للمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني. وفي هذا الجزء سأتابع الحديث عن منطقة عسير على وجه الخصوص والدور المأمول في تطوير نشاط السياحة المحلية.
عودة مرة أخرى للحديث عن منطقة عسير، هذه الأرض الحالمة التي قيل عنها الكثير والتي أغرت كل من زارها بطبيعتها الجغرافية المميزة ومناخها الأخاذ. هذه المنطقة التي حباها الله بالكثير من الخصائص والميزات التي تفوق بها الكثير من المناطق السياحية في العالم، فقد من الله على هذه المنطقة، كما بقية مناطق بلادنا الغالية بنعمة الأمن والأمان التي يفتقدها كثير من الناس حول العالم، كما حباها الله بالتميز الجغرافي واختلاف التضاريس كما ذكر آنفاً، وتمتاز أيضا بتوافر الأماكن الأثرية والمناظر الخلابة، وتمتاز بقربها من الأماكن المقدسة وبقية مناطق الآثار في المملكة، وتتميز أيضا بأصالة وحسن ضيافة أهلها، كما هو الحال في بقية مناطق بلادنا العزيزة. هذه المنطقة تمتلك بفضل الله الإمكانات الأساسية اللازمة لنجاح صناعة سياحية متخصصة، كما أن وجود قطاعات التعليم العالي الخاص والعام يسهم أيضا في ضخ الطاقات البشرية اللازمة لنجاح أي نشاط استثماري. لكن يبقى السؤال الأهم عن الاحتياجات الأساسية لنجاح الاستثمار السياحي في هذه المنطقة، وتطويره كمورد اقتصادي رئيس؟.
للإجابة عن السؤال السابق، يجب أن نذكر بأن الدولة، حفظها الله، قدمت الكثير لتطوير وإيصال الخدمات الأساسية لمنطقة عسير رغم صعوبة تضاريسها وندرة الشركات المطورة في هذه المنطقة، ومع ذلك، فإن الزائر لمنطقة عسير عندما يقارنها بكثير من الدول المجاورة يلاحظ فرقا شاسعا لصالح التنمية في منطقة عسير، ولكن الحاجة ما تزال ملحة لتطوير ومواكبة التقدم والتطور العالمي لنصل بهذا الجزء الغالي من وطننا إلى مصاف الدول المتقدمة في البنى التحتية والمشاريع السياحية الاستثمارية، فالمنطقة لا تزال بحاجة لشبكة طرق بمواصفات عالمية، إضافة للرغبة في تطوير قطاع النقل من خلال تنفيذ مشاريع القطارات وتطوير المطارات ذات الطابع الدولي والذي سيتيح لهذه المنطقة فرصة للاستفادة القصوى من مواردها الطبيعية. إن استقطاب الاستثمار السياحي لهذه المنطقة سيسهم في خلق فرص تجارية وسياحية عديدة قد تستثمر في إنشاء وتطوير المجمعات والأسواق التجارية، ومراكز المناسبات والاحتفالات والمسارح، المخيمات، أماكن عقد المؤتمرات ومراكز التدريب المتخصصة وغير ذلك الكثير.
نشرت صحيفة "الجزيرة" في ندوة خاصة أجريت مع سمو أمير منطقة عسير، وتحدث فيها سموه عن هموم السياحة في المنطقة وكان من أبرز ما ذكر سموه أن مما يعوق السياحة في منطقة عسير هو ربطها بمكان وزمن محددين خلال العام، ولذلك فقد سعى المسؤولون عن السياحة في عسير لتطوير مناطق وبرامج سياحة تكون صالحة على مدار العام. وهذا سيكون له دور رئيس في استقطاب رؤوس الأموال للاستثمار في هذا القطاع، بما يوفر الاستقرار والديمومة للمستثمر، والنمو وتوفر البدائل للسائح.
مما لا وشاحة فيه بأن القطاع الخاص يقع على عاتقه دور رئيس في تحقيق التنمية المستدامة، ومن هذا المنطلق فالاستثمار في قطاع السياحة وبجميع فروعها بحاجة إلى رعاية واهتمام من قبل الجهات ذات العلاقة. وحيث إن الاستثمار السياحي في دول أخرى قد حقق نجاحات ملموسة، فإن فتح الباب للمستثمر الأجنبي في قطاع السياحة سيكون له آثار إيجابية. لهذا فالهيئة العامة للسياحة والآثار يجب أن تمنح دورا أكبر لاستقطاب ورعاية مثل هذه الاستثمارات من خلال تقديم المساعدة الإدارية اللازمة والمساهمة في إعداد الدراسات التي تسهم في استقطاب بيوت الاستثمار المتخصصة. إن معادلة النجاح الاستثماري في قطاع السياحة تتمثل في توافر المال اللازم لهذا الاستثمار، إضافة للتخلص من البيروقراطية التي قد تحجب المستثمر والشركات المتخصصة من الخوض في غمار السياحة الداخلية.
مما تقدم يمكن صياغة الهدف الاستراتيجي لمنطقة عسير مقروناً بنجاح الاستثمار في الأنشطة السياحية بجميع أوجهها، ومن ذلك يمكن وضع الأهداف الفرعية التي تشتمل على بناء منطقة سياحية على مدار العام، وخلق فرص وظيفية دائمة وموسمية، وتحقيق تنمية شاملة للمكان والإنسان، ويتحقق ذلك من خلال وضع الخطط الشاملة وتجزئتها لمناطق عمل يتم إسنادها للقطاع الخاص.
الرسالة هنا موجهه بشكل رئيس للهيئة العامة للاستثمار والهيئة العامة للسياحة والآثار وللرعاية الكريمة من إمارة منطقة عسير للعمل بشكل متجانس في خلية عمل واحدة تتلقى المقترحات وتصوغها في الشكل الملائم لتحقيق حلم المدينة الاقتصادية السياحية التي ستنافس أرقى المناطق السياحية.
إن أغلب الأنشطة السياحية التي تقام في المملكة يتم تنظيمها من خلال القطاع العام وبأيدي مؤسسات أو أفراد مرتبطين بمناطقهم ولا يحبذون التنقل في تنظيم وإدارة الأنشطة السياحية في مناطق أخرى. لهذا فالهيئتان بحاجة إلى استقطاب الشركات الخاصة المحلية والدولية لتطوير الاستثمار السياحي كأحد الموارد المهمة للاقتصاد الوطني. وكخيار عملي فعلى الهيئة العامة للسياحة والآثار أن تستفيد من خبرات الهيئة العامة للاستثمار في تبني فكرة المدن الاقتصادية التي تتبنى مسؤولية تطوير الصناعة السياحية في البلد. ومحاولة دمج صغار المستثمرين في تكتلات اقتصادية ضخمة تتلافى سلبيات الاستثمار الفردي، والتي غالبا ما يتسم أصحابها بامتلاك الخطط الاستثمارية قصيرة الأجل ، وغالبا هم بحاجة إلى الدعم الحكومي مع كل أزمة تعترضهم، ويهدفون لتحقيق الربح السريع ولو كان على حساب الجودة.
إن إقامة مدينة اقتصادية متخصصة في الاستثمار السياحي سيوفر عددا كبيرا من فرص العمل التي سيشغلها مواطنون، كما أن الاستفادة من الإمكانات الطبيعية للمنطقة سيساعد على خلق فرص سياحية متعددة ومتنوعة، وسيسهم في توسيع وتنويع قاعدة الاستثمار، وسيوفر الأوعية ذات الطابع الرسمي لاستقطاب وتجميع الاستثمارات الفردية من خلال أوعية مؤسسية ناجحة.