البنوك والإقراض .. "يا سراجين يا ظلمة" !!
من المؤكد أن البنوك التجارية هي العمود الفقري للاقتصاد التي منها تتشعب الأموال من المدخرين للمستثمرين لبناء مشاريع منتجة (بضائع أو خدمات) وخلق فرص وظيفية جراء عملية الإنتاج تلك. ولذا فهي المحور في نشاط الاقتصاد وصحته وبالتالي تحرص الحكومات على ضبط عملها وتجنيبها الانهيار والخسائر الفادحة من خلال منظومة تشريعية معقدة لحساسية أعمالها ودورها المهم في حياة الاقتصاد ككل. وفي المقابل هناك المنشآت والكيانات الاقتصادية التي يخلقها المستثمرون والتي عادة ما تحتاج إلى تمويل، إضافة إلى التمويل الذاتي من صاحب المنشأة خصوصاً في بداياتها. وهذه المنشآت، خصوصاً الصغيرة والمتوسطة، هي في الاقتصادات المتقدمة صاحبة الدور الريادي في تكوين القطاع الخاص وزيادة مساهمته في الناتج الإجمالي. ولذا أيضاً فهي ممن يُعتنى بها لأهميتها لكونها واحداً من أهم مصادر التوظيف وخلق الفرص الوظيفية. وفي اقتصادنا المحلي ساهمت البنوك التجارية طيلة حياتها في تمويل تلك الفئة من المنشآت (المتوسطة والصغيرة) ولكن على استحياء وليس بالقدر الذي يتسق وإمكانات البنوك أو حتى الإيمان بأهمية هذه المنشآت المتوسطة والصغيرة. لقد عملت البنوك التجارية على تسيير أعمالها وتحقيق أرباح كبيرة جاء جزء كبير منها من عمليات الإقراض لكنه إقراض للكبار سواء كانوا شركات أو أفرادا، وبالتالي استأثر بعمليات التمويل فئة على حساب أخرى. ولا تلام البنوك التجارية في وقت من الأوقات على مثل هذا التوجه لعدد من العوامل منها عدم النضج لتلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة وارتفاع درجات مخاطرها أو حتى توافر المعلومات الائتمائية لها بشكل جيد أو ربما وجود سوق أكبر لصالح الشركات الكبيرة. إلا أنه من خلال استشراف المزاج الاقتصادي للبنوك التجارية فلا يزال الوضع بنفس الدرجة من الحساسية والتعنت وربما عدم الرغبة في الدخول في هذا المضمار. ولو كان الأمر في ظاهره درجة المخاطر إلا أن واقع الأعمال البنكية ينفي ذلك، وخير مثال أين البنوك التجارية من درجات المخاطرة الفردية التي كانت تتحملها لقاء تسهيلات للتداول في سوق الأسهم السعودي الذي يعتبر من أكبر الأسواق الناشئة مخاطرة بالمقاييس الإحصائية!!
إن المشكلة في المجتمع السعودي هو تنافر العلاقة بين البنك والمجتمع والإحساس من قبل المجتمع بأن البنك مثلما يردده الكثير بأنه المنشار "طالع آكل نازل آكل" وذلك بدلاً من أن تكون العلاقة علاقة تكاملية يقدر المجتمع من خلالها أهمية دور البنك ويقدر البنك أيضاً دور فئات المجتمع الأخرى المؤسساتية بالذات وأهميتها في الاقتصاد.
إنني لا أطالب أن تقع البنوك التجارية في فخ القروض العالية المخاطر والتوسع بشكل غير علمي أو مهني فيها فقد رأينا أثر ذلك في أكبر المؤسسات المالية مما صار حصيلتها أزمة مالية انهارت بسببها اقتصادات كبيرة إلا أنه أيضاً لا يجب أن تتفرج البنوك على واحد من محاور الإنتاج في الاقتصاد وهي المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتركها بأي حجة كانت سواء درجات مخاطرة أو غيرها فالأمر يا بنوكنا التجارية الموقرة بالنسبة لكم ليست كما يقول المثل الشعبي "يا سراجين يا ظلمة"!!