رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


متى نتحول مثل غيرنا للمباني الخضراء؟

الأزمة الاقتصادية الأخيرة وانتشار وباء إنفلونزا الخنازير والاحتباس الحراري قد تجعل الأمور الاقتصادية تزداد سوءًا فقد يأتي أو أتى الوقت الذي لن نستطيع فيه تملك منزل. وإذا تملكناه فإننا لن نستطيع دفع فواتير الكهرباء والماء أو تكاليف الصيانة. لذلك فإنه من الأفضل أن نفكر من الآن في حجم منازلنا الحالية، وأن نحاول أن تكون مبانينا المستقبلية أصغر قليلاَ، وأن نوفر من استهلاك الطاقة الكهربائية وخاصة للتكييف. من المفروض أن تكون مبانينا على قدرنا. انتهى وقت غرف النوم الواسعة أو المجالس والصالات الكبيرة التي تستهلك كميات كبيرة من التكييف، وبالتالي ترفع قيمة فاتورة الكهرباء. وأن يتم استعمال مواد البناء العازلة في كل جزء من المنزل. والتأكد من الاستفادة من مواد البناء الجيدة والأجهزة والأنظمة عالية الجودة، التي تدوم فترة أكبر دون تلف. بدلاَ من التفكير والوقوع في الرخيص الذي يتلف بسرعة ونضطر للانتظار طويلاَ حتى نجد مَن يصلحه ونتكلف أكثر مما لو استعملنا الأصلي والأكثر جودة.
وهذا الموضوع يقودني إلى ما سبق أن كتبت عنه وهو موضوع المباني الخضراء، التي بدأ العالم ومنذ فترة التحول إليها وأصبحت متطلبا حيويا وحضاريا. بل إن معظم دول العالم لا تسمح بالبناء قبل التأكد من استيفاء المبنى مواصفات المباني الخضراء LEED. وتعد الإمارات العربية أول الدول التي طبقت هذا القانون عربياَ.
لقد أصبح الأمر مطلوبا بعد مؤتمر البيئة الدولي الأخير في العام الماضي، حيث أصبح الجميع مقتنعين واستمعوا أخيراً لما كان هؤلاء الخبراء ينادون به منذ عقود، من الاحتباس الحراري إلى سيارات الطاقة الشمسية والإلكترونية والنيتروجينية إلى التوجه إلى بدائل الطاقة والوقود للتحول إلى توليد الطاقة بالمراوح أو التوربينات الهوائية ونفق الهواء والطاقة الشمسية، وكل ما هو ممكن للتخلص من زيادة نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو. وأخيراً أصبح العالم مجبرا على الانصياع لاحترام البيئة بعد أن تأزم الموقف وزادت خطورته على حياة الإنسان وبقائه على هذه الأرض. إننا يجب أن نكون حذرين، فالعالم والتقنية يتطوران بسرعة كبيرة ولن نحس إلا بعد فوت الفوت. وهذا التأثير كان واضحاً في مجالات العمارة والتخطيط والبناء. فهل نستسلم للأمر أم نركب الموجة معهم أم نصر على تطوير ما لدينا؟
تطالعنا الصحف العالمية يومياً بتوجهات العالم نحو السيارات والمباني الخضراء. ويبدو أن هناك سياسات خضراء سنقبل عليها، وأن التركيز على البدائل الجديدة للطاقة ومواد البناء العازلة والخفيفة والتصاميم التي لا تؤثر في الاحتباس الحراري سيستمر تطوير الطاقة الطبيعية من الشمس والهواء والرياح والمياه والمواد العضوية الطبيعية مثل الكحول والسكر والحبوب الزراعية. وكذلك تطوير بدائل لمواد البناء والأنظمة الكهربائية والميكانيكية، ومن ضمنها التكييف والتكييف الصحراوي. وهو توجه قد يكون له منافسة اقتصادية هائلة، وقد يكون مرتكزا لاقتصادات معظم الدول.
إن سياسات المباني الخضراء تركز على التوفير في الطاقة، حيث توصلت بعض الشركات الأمريكية إلى تبني فكرة الأسطح الخضراء التي توفر 25 في المائة من طاقة التكييف. وهي أسطح عبارة عن حديقة عادية في السطح بعمق نحو عشرة سنتيمترات وتزرع عليها نباتات معينة لا تطول وليس لها جذور تخترق السطح وتتم عادة سقياها من مياه المطر وشبكة ري احتياطية في حالة قلة المطر. وبذلك فإن الحديقة من الرمل والنباتات تعمل كعازل حراري جيد في الصيف، وكذلك لحفظ الحرارة داخل المبنى في الشتاء.
لذلك فإنني أعتقد أن العالم سيتوجه إلى التركيز على ما سبق البدء فيه من تطوير التجارب على البدائل الطبيعية للطاقة. وهي تشمل:
* الطاقة الشمسية: سواء عن طريق الاستعمال المباشر للخلايا الضوئية وتطوير طريقة تخزين الطاقة. والاستعمال غير المباشر للطاقة الشمسية لتسخين المياه أو تركيز حرارة الشمس على مسطحات عاكسة وتركيزها في بؤرة صغيرة لتسخنها إلى درجة الغليان والاستفادة من ذلك في عملية التقطير أو تحلية المياه.
* الطاقة الهوائية: وهي تعتمد على ممرات بسرعة ثابتة للرياح لتحرك توربينات ومولدات للكهرباء لتغذية مدينة كاملة. ويستعمل لذلك مزرعة من المراوح التي يبلغ طول الريشة فيها عشرات الأمتار. وهي مجربة في ولاية كاليفورنيا وعديد من المدن الأوروبية وخاصة ألمانيا. إضافة إلى الاستعمال التقليدي للمراوح ميكانيكيا من خلال أسطوانات أو بساتم لضخ المياه من الآبار. أو تدوير الدواليب للري تقليدياً في هولندا.
* الطاقة العضوية: وهي بالاستفادة من المواد الطبيعية مثل السكر وبعض الحبوب لإنتاج الكحول أو الغازات مثل النيتروجين والهيدروجين وغيرها كبدائل للوقود. سواء للسيارات أو المكائن الأخرى.
* الطاقة المولدة من الشلالات والسدود: وهي طاقة نظيفة ومعروفة تقليدياً وتستعمل لتوليد الطاقة الكهربائية. فشلالات نياجرا الكندية تغطي جزءا كبيرا من الكهرباء لولاية أونتاريو.
* الطاقة الذرية والنيتروجينية: وتعتمد على تشطير الذرة أو النايترون ضمن مفاعلات كبيرة. وهي علاوة على خطورتها وصعوبة الحصول على تصريح لبنائها فهي مكلفة وتحتاج إلى تقنية عالية.
وفي مجال الطاقة البديلة قامت شركة أبلايد ماتيريال باستثمار ما يقارب أربعة مليارات ريال، وتوظيف أكثر من 500 مهندس فقط لتضع لها موقفا أو موقعاً في صناعة الشرائح الشمسية لتنافس بها سويسرا. حيث تتوقع الشركة أن ينمو سوق الأجهزة التي تعمل بالطاقة الشمسية تريليون (أربعة آلاف مليار ريال سنويا). وقد نما هذا السوق بنسبة 63 في المائة خلال هذا العام لأكبر عشر شركات تعمل في أجهزة الطاقة الشمسية، ويتوقع الكثير أن تكون تكلفة توريد الطاقة فيه خلال السنوات الخمس المقبلة مساوية لتكلفة النفط.
ومن المتوقع أن نرى في القريب العاجل تطويرا لاستعمالات أكثر ابتكاراً للطاقة الطبيعية. وخروج أنظمة ومتطلبات إجبارية للتخلص من الطاقة المضرة بالبيئة. وفي مجال استعمالات المباني فإن المجلس الأمريكي للمباني الخضراء هو الذي يقود العالم حالياً للطاقة ومواصفات المباني الخضراء القياسية. تحت اسم ليد LEED. لدرجة أن معظم المدن الأمريكية مثل مدينة بوسطن وسياتل ونيويورك وشيكاغو مجبرة على الحصول على شهادة من المجلس قبل بناء أي مبان متعددة الأدوار. وهي مواصفات تمس أكثر من 70 عنصرا ومادة بناء، وتبدأ من أنظمة التخلص من النفايات أو تخفيضها إلى عمر المبنى وجودة المواد إلى نوع الزجاج العازل ومواد العزل، والتأكد من إحكام مجاري الهواء والتوصيلات وتقديم منتجات إضاءة لا تبعث على رفع الحرارة مثل السبوت لايت. للحصول على جو داخلي مريح وبأقل التكاليف للطاقة. وكل المباني القادمة لا بد أن تخضع لهذه المواصفات ويبدو أننا في المملكة والشرق الأوسط أصبحنا أمام الواقع، وأننا مجبرون على السير خلف القافلة. فالأمور تزداد سوءًا والعالم من حولنا لن يقف كالمشاهد دون أن يوقع علينا العقوبات تباعا. وأخيرا قام مجلس مدينة تورنتو الكندية بالأخذ على عاتقه أن تغطي الأسطح الخضراء 50 إلى 70 في المائة من أسطح مدينة تورنتو.
وأخيرا بدأ المجلس الأمريكي للمباني الخضراء في التوجه إلى ترخيص للمباني السكنية (منازل وشقق) وفق مواصفات واعتبارات تمس مدى التوفير في الطاقة وطول عمر المبنى وتقليل مدى ما يبعثه للهواء الخارجي من تلوث. ومدى تنقيته للجو الداخلي لسكان المنزل.
قد تكون هذه الظاهر في بدايتها ومازالت تحت البحث العلمي لمعرفة مدى جدواها واستمراريتها. ولكن يبدو لي أننا لا بد أن نفكر من الآن في تسخير بعض البحوث والجهود للدخول في هذا المضمار. فالاحتباس الحراري يبدو لي أنه شر لا بد منه. ونحن نعاني الحرارة الحالية، فماذا يحمل لنا المستقبل. هل نعود إلى المباني الطينية والملاقف أو نطورها. أو نسخر بعض الدعم المالي لتطوير صناعة المكيفات الصحراوية التي مازالت بدائية. والتي توفر كثيراً من الطاقة مقارنة بأنظمة التكييف الأخرى. حري بنا أن نولي جزءا من ذلك لتطوير البحث في البدائل الحديثة والصديقة للبيئة قبل أن نضطر لاستيرادها. وخاصة الطاقة الشمسية التي نملك ثروة لا يستهان بها من طباخ التمر إلى الرمال التي يمكن الاستفادة من مادة السليكون التي تحتويها لصناعة الخلايا الضوئية. ولتمهيد كود البناء السعودي الذي لم ير النور بعد ليتأقلم مع أنظمة المباني الخضراء والبناء والعزل العالمية التي أحدثت بعد مؤتمر البيئة. فهل نكون رواد في صناعة الطاقة والمباني الخضراء؟ وهل نعيد حدائق بابل المعلقة؟ موضوع يستحق التفكير فيه لمستقبلنا ومستقبل أبنائنا. ودعوة إلى المسؤولين عن مدننا ومراكز البحث للحاق بالقافلة قبل أن تفوتنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي