رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


يكاد المريب يقول خذوني!

عند ما انعقد أخيرا المؤتمر الثاني لمناهضة العنصرية في سويسرا، كان أشبه بالمسرحية الهزلية، على الرغم من أهمية الموضوع الذي اجتمعت الوفود من أجله، وهو محاولة مناقشة الظلم والتفرقة التي تتعرض لها فئات معينة من المجتمع في بعض البلدان وإضفاء شيء من الشفافية عليها. ولكن الأمور لم تجر كما كان مُخططا لها لأن كل مجموعة من الدول المشتركة كانت تريد أن تُسيِّر نهج المؤتمر حسب رغبتها وما تراه يتناسب مع سياستها وممارساتها ومفهومها لمعنى العنصرية. فالولايات المتحدة، وهي مشتهرة بازدواجية المعايير، ومن يسير في فلكها كان أكبر همهم التأكد من أن دولة إسرائيل مرفوع عنها القلم وأنها فوق المساءلة، وهي تبرهن كل يوم وفي كل مناسبة وعلى لسان قادتها أنها دولة عنصرية من الدرجة الأولى. ومنطقيًّا أنه إذا ظهرت بعض الاستثناءات التي لا مبرر لها فقدت قرارات المؤتمر أهميتها الدولية. وكان الأجدى أن يُفتح المجال لكل منْ عنده قضية ليُعبِّر عن وجهة نظره، وعلى الطرف الآخر أن يُدافع عن موقف بلاده بالطريقة التي يراها مناسبة، ولا حرج في كلتا الحالتين. ولكن إسرائيل، وبتشجيع وحماية من أمريكا، تعرف أنها غارقة في بحر العنصرية ولا تريد الحضور حتى لا ينفضح أمرها أكثر مما هو معروف عنها على الساحة الدولية، وينطبق عليها المثل الذي يقول: "يكاد المريب يقول خذوني".
ولعل أبرز ما حدث خلال انعقاد المؤتمر حضور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، حيث ألقى خطاباً ملتهباً فضح فيه العنصرية الصهيونية وتاريخ انتقال اليهود من بلدانهم الأصلية إلى فلسطين وطرد أهلها من أرضهم وممتلكاتهم ومحاولة إبادتهم أمام أعيُن العالم وبصرهم، مما أثار غضب مندوبي الدول الغربية ومغادرتهم قاعة المؤتمر احتجاجا على "صراحة" نجاد. والأكثر طرافة، أن وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك، أحد أبطال مجازر غزة، أعقب ذلك بتصريح ناري يصف فيه المشرفين على المؤتمر أنهم "مجانين" لأنهم سمحوا لأحمدي نجاد بالحضور والاشتراك في المؤتمر وإعطائه الفرصة لمهاجمة إسرائيل. باراك دمَّر قطاع غزة وهدم البيوت على أهلها العُزَّل وتسبب في قتل وجرح وتشريد الألوف من أبناء الشعب الفلسطيني ولم يُعاقب، ويريد اليوم أن يُكمِّم أفواه المجتمع الدولي حتى عن الكلام! أما أحمدي نجاد الذي حضر إلى المؤتمر وفي جعبته الكثير ليقوله، فقد سرق الأضواء ودافع بقوة عن القضية الفلسطينية في ظل غياب شبه كامل للدول العربية، كما فعل قبله طيِّب الذكر رجب أردوغان عند ما تصدى لمغالطات شيمون بيريز خلال اجتماع مؤتمر دافوس، الذي كان قد عُقد عَقِبَ انتهاء عدوان غزة المشؤوم، وذلك أيضا دفاعاً عن القضية في غياب أي حضور عربي فاعل. ونحن نقبل ونرحب بما قاله نجاد دفاعاً عن القضية الفلسطينية، ولكننا نذكِّره أن دولة إيران هي الأخرى متورطة من أخمص قدميها حتى أذنيها في التفرقة بين مواطنيها، وتمارس أنواعاً شتى من العنصرية البغيضة ضد الأقليات من أصول عربية وكردية وأجناس أخرى بسبب اختلاف العرق والمذاهب الدينية. ونأمل أن تتغلب الحكمة والنظرة الإنسانية على سياسة إيران الداخلية تجاه معاملة جميع الطوائف هناك بشيء من الاحترام والمساواة للجميع، وحينئذٍ يخرج نجاد من مضمون الآية القرآنية الكريمة: "كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
وإسرائيل مهما تهربت واحتمت بحلفائها فلن تستطيع إخفاء معالم ظلمها وإجرامها بحق الشعب الفلسطيني، ولن ينسى لها التاريخ عدوانها واضطهادها لشعب قدر الله عليه أن تحتلَّ أرضه لفترة زمنية ستنقضي ـ بإذن الله ـ ويعود الحق إلى أهله. وقد حاولت إسرائيل تحسين سمعتها التي وصلت إلى الحضيض أثناء عدوانها على غزة بتكوين لجنة تقصي حقائق "محلية" لبحث ما إذا كان أفراد الجيش الإسرائيلي قد ارتكبوا مخالفات جوهرية لقوانين الحروب عند ما أبادوا الألوف من الرجال العُزل والنساء والأطفال بهمجية لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً. وكان من المُتوقع حتى لدى أكثرية الإسرائيليين أن تقرير اللجنة سيُدين ولو بشيء من اللُطف بعض العمليات العسكرية التي كانت مُوجَّهة إلى النساء والأطفال أمام أنظار العالم ويستحيل إخفاؤها. ولكن المفاجأة المضحكة أن الفريق الذي كان ُمكلًّفاً بالبحث عن الحقائق التي من المفروض أنها تُدين ممارسات الجيش الإسرائيلي أثبت أن عملية التحقيق كانت خدعة، فما ذا فعل؟
أدان الفريق الطرف الفلسطيني وهو الضحية واتهمه أنه هو الذي تسبَّب في سقوط آلاف القتلى من المدنيين وحدوث ذلك الدمار المريع في بيوت غزة وفي بنيتها التحتية ومرافق التعليم ومخازن الأمم المتحدة! فماذا يا ترى بقي للمعتدين من الملامة؟ ألا يخجل هؤلاء من أفعالهم غير الإنسانية حتى يُلبسوها المُعتدَى عليهم؟ ومن أيِّ صِنف من البشر ينحدر أمثال باراك ولفني وأولمرت ونتانياهو وسيئ الذكر ليبرمان؟ نحن نعرف من أين أتوا إلى هذه البلاد الطاهرة، وكيف كانت حالهم وحال أجدادهم قبل أن يُدنِّسوا أرض الأنبياء. كانوا في بلادهم الأم، أينما كانت، أذلة صاغرين، وسيؤول بهم الأمر ـ بإذن الله ـ إلى أحقر مما كانوا عليه، جزاء على ما اقترفوه من الظلم والعدوان بحق الأمة التي يذكر التاريخ أنها حمتهم من اضطهاد معتنقي المسيحية في الأندلس وآوتهم في كل أرض كان يحكمها الإسلام.
ومن عدوانيتهم وشراسة أخلاقهم لا يرون أن من حق قيادة الشعب الفلسطيني التعبير عما يخدم مصالحهم وقضيتهم. ويريدون من شعوب وحكومات العالم ألا تستمع إلى أيِّ إنسان فلسطيني يتحدث في السياسة. وقد حققوا في ذلك نجاحاً كبيراً حتى أصبح الإنسان الفلسطيني في نظر كثير من الشعوب التي أعمى الله بصيرتها إرهابياّ لا يجوز التعامل معه ولا التحدث إليه. ولأن الدنيا لا تخلو من أصحاب الضمائر الطيبة، فقد وجهت مجموعة من أولئك الدعوة إلى خالد مشعل ليلقي خطاباً سياسيا "عن بُعد" في البرلمان البريطاني، وهي لفتة طيبة تجاه القضية الفلسطينية. فجُنَّت إسرائيل وأرسلت احتجاجات شديدة اللهجة إلى بريطانيا تنتقد جرأتها على تحدي سياسة الدولة الصهيونية ومهابتها، فيا سبحان الله!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي