التمويل العقاري وحاجته إلى صندوق الاستثمارات العامة
صندوق الاستثمارات العامة ينوي الدخول في قطاع التمويل العقاري، حسب إجابة أمينه العام منصور الميمان عن سؤالي الذي طرحته عليه في ملتقى آفاق الاستثمار. وكنت قد ناديت من قبل بضرورة مشاركة صندوق الاستثمارات العامة في إنشاء شركات التمويل العقاري نظراً لضخامة التمويل الذي يحتاج إليه قطاع الإسكان لسد الفجوة بين العرض والطلب والذي قد يتطلب أكثر من 50 مليار ريال في العام الواحد. وهو مبلغ ضخم لن يكون بمقدور البنوك المحلية وشركات التمويل التي أنشئت حديثاً أو تحت الإنشاء من توفيره إلا بمساندة حكومية كبيرة تتمثل في مشاركة صندوق الاستثمارات العامة، وإصدار قانون الرهن العقاري، ونظام التمويل العقاري، بما فيها إنشاء سوق ثانوية للصكوك. وفي اعتقادي أن من الحكمة أن ينتظر الصندوق صدور تلك الأنظمة – كما أشار أمينه العام - في ثنايا إجابته في الملتقى. كما هو الحال لشركات التمويل العقارية الأخرى التي أرى أن عليها انتظار صدور تلك الأنظمة لتبدأ بداية صحيحة وفي بيئة تشريعية ونظامية واضحة، ما يقلل من مخاطر السوق الذي تعمل فيها.
إن السبب الرئيس الذي أعاق صدور نظام الرهن العقاري هو في صدور مسودته الأولى بصورة مستعجلة، حيث إنها احتوت على قصور متعدد في جوانبها القانونية، وقد تم تسليط الضوء على بعض جوانب القصور تلك في حلقة نقاش حول مشروع نظام الرهن العقاري الجديد عقد في المعهد العالي للقضاء في 6/4/2009. ما جعل مراجعتها وتنقيحها يأخذ وقتاً وجهداً طويلاً، الأمر الذي يدعونا إلى ضرورة تفادي مثل ذلك في الأنظمة والتشريعات المستقبلية الأخرى. وإذا كان إصدار أنظمة الرهن العقاري أحد وأهم معوقات التمويل العقاري، فإن غياب سوق الصكوك والسندات في المملكة يعد هو الآخر ثاني أكبر العوائق التي تواجه قضية التمويل العقاري. فضخامة حجم التمويل والتي قد تتجاوز ما ذكرناه هنا تتطلب وجود سوق صكوك وسندات ضخمة قادرة على تمويل القاعدة الرأسمالية لشركات التمويل العقارية وكذلك البنوك. خصوصاً أن هناك إقبالا ممتازا على تلك الصكوك والسندات من قبل المؤسسات العامة مثل معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية. ومن الواضح أن صندوق الاستثمارات العامة يرغب هو الآخر في شراء مزيد من الصكوك، وقد يحدث هذا عند الانتهاء من إنشاء شركة سنابل التي ستكون الذراع الاستثمارية للصندوق.
إن أهمية وجود سوق للصكوك تتمثل في قدرة شركات التمويل على الاقتراض من السوق المحلية عن طريق إصدار صكوك، ناهيك عن أنها تتخلص من الذمم المدينة من قوائمها المالية ببيعها في هيئة صكوك في سوق الأوراق المالية، ما يسهم في توفير سيولة لدى تلك الشركات للاستمرار في عملية الإقراض. إن البعض قد يعتقد أن سبب الأزمة المالية الحالية هو إصدار مثل تلك السندات (الصكوك)، ولكن ذلك يجانب الحقيقة. فالصكوك المتداولة في السوق المالية هي مرتبطة بأصل العقار، ويحدث الانفصال عن ارتباطها بأصل العقار عندما تتحول تلك الصكوك إلى مشتقات أخرى تباع عن طريق صناديق استثمارية إلى مستثمرين آخرين وهكذا، مما يخلق الانفصال بين المصدر الرئيس للصكوك (مقابل أصول عقارية) وتلك الصناديق. لذا فإن أزمة الرهن العقاري تعطينا درساً يجب تجنبه في حال إصدار شروط وأنظمة إصدار وتمويل الصكوك والسندات في السوق المالية السعودية، تسهم في بقاء الأصل ضماناً (رهناً) لتلك الصكوك.
وإذا كان نظام الرهن، وغياب السوق الثانوية، عوامل مهمة لتهيئة البيئة المناسبة لممارسة التمويل العقاري، فإن تحسن جانب الطلب عامل لا يقل أهمية عنهما. فالمعروف أن هناك فجوة كبيرة بين العرض والطلب في الجانب السكني، ولا يمكن ملؤه إلا بوجود مطورين أكفاء لملء تلك الفجوة. فالمطور العقاري يشكل جانب طلب مهما ويمكن الاعتماد عليه من قبل شركات التمويل نظراً لأنه سيكون قادراً على البناء والتشييد حسب المواصفات والمقاييس للوحدات السكنية التي يمكن تمويلها، والمطور في الوقت نفسه قادر على توفير الوحدات السكنية للمشترين بأسعار معقولة نظراً لانخفاض تكلفته، مقارنة بتكلفة البناء المادية والاجتماعية في حال بنائها من قبل الأفراد أنفسهم.
لقد حاولت هنا تلخيص أهم العوامل وتبيان أهميتها لسد الفجوة السكنية في المملكة. ولعل وجود مؤسسات ضخمة بحجم صندوق الاستثمارات العامة، وقرب تداول الصكوك في سوق المال السعودية، يجدنا نقترب من تهيئة بيئة التمويل العقاري التي ستكتمل بإصدار أنظمة الرهن والتمويل العقاري.