قطاع التأمين.. إلى أين يسير؟!
يعد قطاع التأمين من أهم القطاعات الاقتصادية لدوره في تنويع الاستثمارات وتوزيع مخاطرها بما يسهم في إنعاش النمو الاقتصادي في الدولة ويزيد من جاذبية الاستثمار. على هذا الأساس فإن وجود قطاع تأمين على مستوى عال من الكفاءة والشفافية يعد مؤشراً إيجابياً على جاذبية الاستثمار في الدولة مما يعزز من فرص التوظف والنمو الاقتصادي. في المملكة تأخر قطاع التأمين عن الدول الأخرى المجاورة، وعندما بدأ القطاع بالنمو كان النمو سريعاً مما انعكس بشكل سلبي على النتائج المالية بما لا يدعو إلى التفاؤل بمستقبل هذا القطاع.
وقد كانت للمملكة تجربة سابقة وناجحة في هذا المجال تمثلت في تبني الدولة ممثلة في صندوق الاستثمارات العامة والمؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية إنشاء الشركة الوطنية للتأمين التعاوني والتي كان لها دور كبير في توفير التغطية التأمينية للكثير من مؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص. وبعد سنوات من تأسيس الشركة واستقرار عملياتها التشغيلية صدر قرار طرحها للاكتتاب العام وحينها كانت الشركة تحقق أرباحاً تشغيلية مجزية بالنسبة للمستثمر.
اليوم يبدو لي أن هيئة سوق المال تعامل تراخيص شركات التأمين كما تعامل وزارة العمل تراخيص مكاتب الاستقدام، أو كما تعامل وزارة النقل تراخيص شركات الليموزين من حيث الإجراءات الروتينية للترخيص لشركات التأمين، ما جعلها موضة يسعى الجميع إلى الاستفادة من عوائدها الفورية السريعة المتمثلة في ارتفاع قيمة الشركة حال طرحها للاكتتاب العام ما جعلها فرصة للإثراء السريع لمؤسسي تلك الشركات. حيث يرخص للشركة وتطرح للاكتتاب العام وهي لم تمارس أي نشاط يذكر مما يدعو إلى التساؤل عن القيمة الفعلية لرأسمال شركة لم تمارس أي نشاط يذكر.
عندما يتم طرح شركة تأمين للاكتتاب العام وهي لم تمارس أي نشاط يذكر لها فما الحافز الذي يدعو مؤسسي تلك الشركة إلى زيادة قيمة الشركة ما دام أنهم حصلوا على ما يريدون من مجرد طرح الشركة للاكتتاب العام. فمفهوم طرح شركة للاكتتاب العام يبنى على أساس أنه استحقاق نالته تلك الشركة بناء على تاريخها الاستثماري السابق وبالنسبة لشركات التأمين التي يتم طرحها لا يوجد هناك أي تاريخ استثماري. بل إن بعض تلك الشركات إلى الآن لم تمارس نشاطها التأميني على الرغم من مرور أكثر من عام على طرحها للاكتتاب العام. ثم ما الذي يتم طرحه على المساهمين، هل هو قيمة الترخيص لإنشاء تلك الشركة، أو قيمة نشرة الاكتتاب التي تخصصت بعض المكاتب القانونية في إصدارها لحساب مؤسسي تلك الشركات، أو قيمة الأسماء التي أسست تلك الشركات؟!
قطاع التأمين قطاع حساس، ونجاح شركاته من خلال تحقيق هذه الشركات فوائض مالية تشغيلية يعني أن تلك الشركات استطاعت أن توزع المخاطر المختلفة للأنشطة الاستثمارية والاستهلاكية المختلفة بشكل جيد ما يمثل قيمة مضافة للاقتصاد ككل. وعملية توزيع تلك المخاطر تتطلب مهارات فنية ومالية لا تكتسبها الشركة بمجرد طرحها للاكتتاب العام، كما أنه ليس هناك نموذج موحد للنشاط التأميني في كل بلد ما يعني أن يتم استنساخ النماذج المالية لإدارة المخاطر من بلدان أخرى وتطبيقها في المملكة لاختلاف الظروف القانونية والاقتصادية والاجتماعية التي يتم تطبيق هذه النماذج عليها.
ومن العوامل التي تزيد من التشاؤم بمستقبل هذا القطاع أرباح شركاته، فهي إما خسائر لشركات لم تمارس نشاطها بعد وإما أرباح ضعيفة جداً لا تتناسب مع حجم ما استثمر في رؤوس أموال تلك الشركات. بل إن بعض الشركات حققت خسائر أتت على أكثر من نصف رأس المال ما يجعلها عرضة لإيقاف التداول أسوة بما تم مع شركات أخرى. لذلك، من المتوقع أن تقوم تلك الشركات بزيادة رؤوس أموالها التي تآكلت من جراء الخسائر المتراكمة التي ارتفعت نتيجة تراجع عوائد استثمارات السيولة بسبب الأزمة المالية العالمية ولكي تتجنب خطر الإيقاف عن التداول.
وبشكل إجمالي وباستثناء كل من الشركة التعاونية للتأمين وشركة إعادة اللتين يمثل رأسمالهما ما نسبته 30 في المائة من مجموع رؤوس أموال شركات قطاع التأمين، نجد أن الخسائر التراكمية لشركات التأمين لعامي 2007 و2008 والربع الأول من عام 2009 تجاوزت 450 مليون ريال أو ما نسبته 11 في المائة من رؤوس أموال تلك الشركات. وهذا يستدعي إعادة النظر في طريقة الطرح الأولى لشركات التأمين والتي لا تأخذ في الحسبان اشتراط ممارسة الشركة لنشاطها لفترة معينة قبل طرحها للاكتتاب العام، مما يحمل المساهمين جميع مخاطر التأسيس وبداية النشاط لشركات التأمين.