كراسي البحث العلمي ـ نقطة تحسب لجامعة الملك سعود
العمل الجيد يستحق الإشادة، لذا فإنه من الواجب علينا ككتاب أن نشيد بالخطوات المتميزة وأن نشد على أيدي أولئك الجادين في مواقعهم والذين يضعون بصمات تبقى حتى بعد أن يغادروا هذه المواقع إلى مواقع أخرى. والخطوة التي أقدمت عليها جامعة الملك سعود أخيراً بإطلاق برنامج كراسي البحث العلمي خطوة مميزة تحسب لصالح متبنيها وتدل على رؤية ثاقبة وبعيدة المدى لمن قاموا على هذا البرنامج. كما جاء الدعم السخي والمعتاد من لدن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وأصحاب السمو الملكي الأمراء ليدلل على أن القيادة تقف دائماً خلف المسؤولين في كل ما فيه صالح وبناء هذا الوطن. وهذه الخطوة لا تعد ـ كما قد يراها البعض ـ إضافة إلى موارد الجامعة المادية فحسب، بل إنها تعد تغييراً جوهرياً في نمط التفكير الإداري الذي تسير عليه جامعاتنا حالياً. وقد ذكرت في مقالة سابقة أن هدف الجامعة يجب أن لا يقتصر على التعليم الأكاديمي البحت وإلا لما اختلفت المرحلة الجامعية عن أي مرحلة في قطاع التعليم العام، ولكنه يجب أن يتعداه إلى الارتقاء بعملية البحث العلمي لتكون الجامعة منارة تستلهم من الماضي وتضيء آفاق المستقبل في مختلف مجالات المعارف سواء العملية أو الأدبية منها.
واعتماد برنامج مقاعد البحث العلمي سوف يؤدي ـ إذا ما تمت إدارته بالشكل المتوقع والمطلوب ـ إلى إحداث رؤية مختلفة في إدارة الحقل الأكاديمي، إذ إن القدرة على خلق منافسة بين العاملين هو المنطلق لتحقيق أي تقدم في أي منشأة، حيث تؤدي هذه المنافسة ـ في جانبها الإيجابي طبعاً ـ إلى استخراج طاقات مدفونة ما كان لها أن تظهر في ظل انعدام المنافسة وانعدام الحافز للتميز. وكنتيجة طبيعية فإن هذه المنافسة سوف تؤدي إلى خلق قيمة مضافة سواء في إطار المنشأة نفسها أو في إطار المجتمع ككل. وواقع الحال في القطاعات الأكاديمية يظهر مدى انعدام هذه الحوافز وأثرها السلبي على تعطيل موارد بشرية أنفقت عليها الدولة الكثير لكي تأتي وتستقر في أحضان الجامعات ولينحصر دورها في القيام بعملية التعليم الأكاديمي فقط دون أن يكون لها دور فعال ومباشر في إدارة عملية التنمية التي يشهدها الوطن. فسلم الارتقاء الوظيفي في السلك الأكاديمي شبه معدوم مما أدى إلى ركود بين أوساط الأكاديميين واقتصارهم على أداء وظائفهم التعليمية مثلهم في ذلك مثل المعلمين في قطاع التعليم العام. وهذا الأمر أدى إلى تعطيل وظيفة أساسية من وظائف الجامعة وهي وظيفة البحث العلمي المنتج والذي يميز الجامعة بمراحلها المختلفة عن مراحل التعليم العام.
والإضافة الكبيرة التي يحققها مثل هذا البرنامج هي خلق منافسة داخل الجامعة نفسها بين الباحثين للحصول على مزايا الكرسي العلمي والتمويل الناتج عنه للقيام بعملية بحث علمي جاد ومتميز يرتقي إلى مستوى وتطلعات ممولي هذه الكراسي العلمية. أضف إلى ذلك أن حصول أي باحث على تمويل كرسي خادم الحرمين الشريفين أو ولي عهد الأمين سوف يكون له دافع معنوي سواء على الباحث نفسه أو على زملائه في الجامعة أو في مختلف الأوساط الاجتماعية والثقافية مما سيكون له الأثر الأكبر في ترسيخ قيمة الإنتاج العلمي والارتقاء بقيمته في مختلف أوساط المجتمع. وهذا كله سيكون رهن الطريقة التي سوف يدار بها هذا البرنامج والمعايير اللازمة للتأهيل للحصول على مزاياه. إضافة إلى ذلك فإن المنافسة سوف تخرج رحم الجامعة نفسها إلى جامعات أخرى سوف تسعى بالتأكيد إلى استنساخ البرنامج مما سيكون له مردود إيجابي على مستوى الوطن بأكمله.
تتبقى بعض التساؤلات التي أطرحها على المسؤولين عن هذا البرنامج في جامعة الملك سعود تتعلق بماهية الضوابط التي وضعت لضمان تحقيق هذا البرنامج أهدافه والتي أتصور أنها تتمحور حول تحفيز البحث العلمي الجاد والمتميز. وهل ستكون ضوابط التأهيل لهذا البرنامج مشابهة لضوابط الحصول على الترقية الأكاديمية؟ إذا كان الأمر كذلك فلن نعول الكثير عليه. ما أتمناه شخصياً أن تكون معايير التأهيل لهذا البرنامج عالية بحيث نضمن حصول أكثر الناس كفاءة والذين سبق لهم أن قدموا إضافات في مجالاتهم العلمية على هذه المقاعد، ومن ثم تحقيق البرنامج أهدافهم المرجوة.