مجتمع النبلاء السعوديين
كم من فقير ينتظر من يمد له يد العون لينقذه من براثن الفقر وتبعاته؟ كم من يتيم ينتظر من يمسح على رأسه ويرعاه وينقذه من تداعيات اليتم وعذاباته؟ كم من مريض ينتظر من يرفع عنه معاناة المرض وآلامه؟ كم من معوق يتوسل في أبناء المجتمع خيرا للتخفيف من معاناته؟ كم من باحث عن الرزق الحلال يسأل الله أن ييسر له مصدرا للرزق الحلال يكف به وجهه وأسرته عن الناس؟ كم من إنسان يريد أن يعامله الآخرون كإنسان على قدر إنسانيته؟ وكم وكم وكم؟
والناس في موقفهم من هؤلاء على ثلاث حالات، الحالة الأولى: من يعتقدون أن رفع المعاناة عن هؤلاء تقع على أنفسهم وعلى أسرهم وأولئك هم الأنانيون، والحالة الثانية من لا يلتفتون إلى هؤلاء بتاتا وأولئك هم السلبيون، والحالة الثالثة من يعتقدون أن جزءا كبيرا من مسؤولية رفع المعاناة عن هؤلاء تقع على المجتمع أفرادا وجماعات، وأولئك هم النبلاء.
نعم أيها الإخوة فالنبلاء أشخاص تعدوا مرحلة التفكير والاهتمام بأنفسهم وأسرهم إلى مرحلة الاهتمام بالآخرين من بني البشر كافة، يدفعهم لذلك شجاعتهم وهممهم العالية وبعد نظرهم وسداد رأيهم ورحابة آفاقهم ومعرفتهم بحقيقة الدنيا وفنائها وحقيقة الآخرة وبقائها.
ويقول البعض إن النبلاء هم الرواحل من أصحاب المبادئ وقليل ما هم، وأقول قد يكون ذلك صحيحا، ولكن المجتمع بتطوره خلال الزمن يمكن أن ينجب الكثير من هؤلاء حتى يصبح النبل سمة من سمات فئة غير قليلة من أبناء هذا المجتمع لتتشكل لديه ثلة من النبلاء من أصحاب الاهتمامات الرفيعة الذين يرون سعادتهم بسعادة الآخرين من خلال رفع المعاناة عنهم ورسم الابتسامة على شفاههم.
والسؤال الذي أعتقد أنه سيقفز لرؤوسنا جميعا، هو: وهل في مجتمعنا نبلاء؟ وما دلائل ذلك؟ وللإجابة عن ذلك أقول إذا كان النبلاء – كما يقال عنهم - قلوبهم مرهفة, وأعمالهم مفخرة، فإنني أجزم أن النبل قيمة راسخة في المجتمع السعودي الذي حمل هموما من خارج الوطن قبل من هم بداخله، حتى وصل خير المملكة إلى جميع البلاد العربية والإسلامية وغيرها من البلدان، حتى قال الكثير إننا نسينا أنفسنا بإيثار الغير على أبناء مجتمعنا.
وما يميز النبل في بلادنا أنه ليس مقتصر على طبقة اقتصادية أو اجتماعية دون أخرى، فالنبل صفة منتشرة في جميع الطبقات كل على حسب قدرته وطاقته، فمن مؤسس لمؤسسة خيرية عملاقة دعمها بمئات الملايين من الريالات وفتح الباب لمن أراد أن يساهم في دعمها وتعزيز قدراتها لخدمة المجتمع، إلى من يقوم على أرملة أو يرعى أيتام أو يرأف بحال فقير أو مسكين بجهده الذاتي وبقدراته المالية المحدودة.
ومن أمثلة ذلك ما قام به والد الجميع خادم الحرمين الشريفين من تأسيس ودعم لمجموعة من المؤسسات الخيرية التنموية مثل مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهوبين، ومؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي، وصندوق المئوية لتشغيل الشباب ذاتيا، وما قام به ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز من تأسيس ودعم لمدينة سلطان للخدمات الإنسانية وغيرها من المؤسسات الخيرية الإغاثية والتنموية، وما لا يتسع المجال لذكره من أعمال خيرية تنموية متميزة يقدمها أبناء الأسرة الحاكمة ضاربين بذلك أروع الأمثلة لأبناء الشعب السعودي الذي لم يتوان, هو الآخر, في السير في هذا الطريق الإنساني النبيل.
فها هو الأستاذ محمد عبد اللطيف جميل يقدم نموذجا رائعا لخدمة المجتمع من خلال برامج عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع، وها هم أكثر من 100 مؤسس سعودي يسهم كل منهم بخمسة ملايين ريال في تأسيس مركز الأمير سلمان بن عبد العزيز لأبحاث الإعاقة الذي أطلقه الأمير سلمان بن عبد العزيز بتبرع سخي تجاوز العشرة ملايين ريال، والأمثلة كثيرة ولا حصر لها.
واليوم ونحن على بعد ساعات قليلة من شهر رمضان الكريم شهر العمل والعطاء والكرم كلنا ثقة بأبناء الوطن السعودي المعطاء أنهم سيواصلون المسير في دروب النبل والعطاء، وكلنا ثقة بأن كل من أنعم الله عليه بفضل مال أو قدرة أنه سيتحسس حاجات الآخرين أفرادا أو مؤسسات خيرية وتنموية ليدعمها بما هو قادر عليه لينال رضا الخالق سبحانه وتعالى كما ينال رضا الذات التي سمت على شحها بالبذل والعطاء "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون".