فتوى نفطية و3 أهداف
الفتوى التي أصدرتها هيئة علماء العراق بتحريم التصويت على مسودة قانون النفط الجديد الذي أجازته حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الأسبوع الماضي، تضيف تعقيدا جديدا إلى الوضع العراقي المعقد أصلا، بل إنها ستكون لها تبعاتها بالنسبة للصناعة النفطية بصورة عامة.
مسودة القانون الذي يعالج أوضاع الصناعة النفطية العراقية تسعى إلى تهيئة الأجواء للاستفادة من الاحتياطيات التي تبلغ 115 مليار برميل، لكن وكما هو واضح، فإن النقاش حول تلك المسودة وقع أسير المناخ السياسي والأمني المتفجر وقضايا العلاقة بين المركز والأطراف، التي تمثلها المناطق الكردية والشيعية وهي التي توجد فيها الاحتياطيات النفطية.
وبسبب طغيان العامل السياسي، فإن مسودة القانون واجهت معارضة من مختلف أنواع الطيف السياسي، فالأكراد يعارضونه لأنه يمكن أن يمس حقهم في السيطرة والتصرف في الاحتياطيات النفطية التي يحتوي عليها إقليمهم. ومجموعة الزعيم مقتدى الصدر المنسحبة من المشاركة في أعمال الحكومة لخلافاتها مع الأمريكان لا تجد فيه حافزا كافيا لإنهاء مقاطعتها تلك، كما أن السنة عموما يرون فيه استجابة للضغوط الأمريكية، حيث تصر كل من إدارة الرئيس جورج بوش والكونجرس بأغلبيته الديمقراطية على إجازة القانون، وهو ما يثير شكوك الكثيرين أن الهدف الأساسي من شن الحرب على العراق كان عاملا نفطيا.
وهناك في المعلومات المتاحة ما يمكن أن يؤكد على هذه الفرضية، فالحرب على العراق في النهاية إحدى خطوات برنامج المحافظين الجدد، الذين استهدفوا العراق في إطار فكرة إعادة صياغة منطقة الشرق الأوسط. واستهداف العراق بسبب نفطه لأنه يمكن أن ينفق من إيراداته النفطية على تنفيذ التجربة كما وضح في إفادات عديدة لأحد أهم منظري المجموعة وهو بول وولفتز. فالعراق يحتل المرتبة الثالثة عالميا فيما يتعلق بالاحتياطيات، لكنه عانى بسبب الحظر والمقاطعة فلم يستطع تطوير قدراته الإنتاجية.
فكرة المحافظين الجدد كانت تقوم ببساطة على فتح الباب أمام الشركات الأجنبية لتوفر التقنية والاستثمار اللازمين لتطوير الصناعة النفطية العراقية. ومن خلال ذلك يمكن تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: أولها إيجاد نموذج في منطقة الشرق الأوسط يفتح أبواب صناعته النفطية أمام الشركات الأجنبية ومن ثم طي صفحة ثلاثة عقود من الزمان من سيطرة شركات النفط الوطنية على الصناعة في بلادها. أما الهدف الثاني فيتمثل في الضغط على هيكل الأسعار ودفعها إلى أسفل، بما يؤدي إلى إضعاف منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، إن لم يكن القضاء عليها كليا. أما الهدف الثالث فيتمثل في توافر موارد مالية يمكن عبرها الإنفاق لتحويل العراق إلى نموذج ديمقراطي وفق المفهوم الأمريكي وتصدير ذلك النموذج إلى بقية دول المنطقة وسيلة جذرية للإصلاح.
بعد أربع سنوات من غزو العراق تبدو تلك الأهداف أكثر بعدا في أرض الواقع على ما خطط له فعلا، فالإنتاج النفطي العراقي يقل عما كان عليه قبل الغزو. والأسعار تكاد تستقر فوق 70 دولارا، والطلب في تصاعد، خاصة أن الأسعار العالية لم تفعل فعلها فيما يتعلق بتقليص حجم الطلب.
ومن الناحية الأخرى، فإن الأسعار تبدو مرشحة للبقاء في هذا المعدل، خاصة في ضوء المراجعات التي بدأت تجريها "أوبك" على خططها لزيادة الإنتاج لأنها لا تجد ضمانات لوجود مشترين مستقبلا مع برامج الطاقة البديلة النشطة لدى الدول الغربية المستهلكة. فخلال فترة النمو القوي في الطلب قامت الدول الأعضاء في "أوبك" بوضع برامج مفصلة تتطلب إنفاق 130 مليار دولار حتى 2012 لرفع الطاقة الإنتاجية وزيادة قرابة أربعة ملايين يوميا حتى 2010، وكذلك إنفاق 500 مليار دولار بين 2013 و2020 وكل ذلك لمقابلة الطلب المتوقع.
وبرزت هذه الخلافات بصورة واضحة برفض دول "أوبك" زيادة الإنتاج في الوقت الراهن من الطاقة المتاحة حاليا، بل إنها على طريق مراجعة خططها بعد عام 2010 لزيادة طاقتها الإنتاجية لأن الدول الغربية تمضي حثيثا في اتجاه التحول إلى مجالات الوقود الإحيائي وغيرها، ما يمكن أن يؤثر في الطلب على النفط مستقبلا. فتقليص استهلاك النفط وانتشار برامج للسيارات الهجين التي تستخدم الإيثانول والعودة إلى الطاقة النووية، بل وتراجع استخدام محطات توليد الكهرباء للنفط، كلها مؤشرات على احتمال تراجع مستقبلي في استهلاك النفط، ولا تريد "أوبك" المضي قدما في برامج طموحة لزيادة طاقتها الإنتاجية لتجد أن سوق المشترين قد تغيرت.
في هذه الأجواء كان يمكن لنجاح الصناعة النفطية العراقية الوقوف على قدميها أن تمثل عنصر ضغط وتوازن في السوق، لكن البيئة السياسية والأمنية المتفجرة ألقت بظلالها على أداء الصناعة، الأمر الذي يجعلها خارج عوامل الاستقرار للسوق، وهو ما يشكل في حد ذاته ضغطا إضافيا على معدلات الإمدادات والأسعار في المستقبل القريب على الأقل.