بعد 6 سنوات .. ما هي النتائج؟
ست سنوات كاملة مرت على أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001، ومنذ ذلك التاريخ دخل العالم حقبة ما سمته الإدارة الأمريكية الحالية بـ "الحرب على الإرهاب"، وستة أعوام كافية لتقييم نتائج هذه الحرب وما أدت إليه، ويمكن أن نجمل هذا التقييم في أنها جاءت بنتائج عكسية تمثلت في جعل العالم أقل أمنا وأمانا وليس العكس، ولعل من أبرز أسبابها اندفاع هذه الإدارة الأمريكية التي يحرك توجهاتها فكر منبثق من عقيدة "إنجيليين جدد" صوب حرب مفتوحة غبية وهوجاء أخذت تضرب فيه يمينا وشمالا بقوة مفرطة ولكن بعقلية محددة الأبعاد قسمت العالم إلى من هو ليس معها على عماها فهو ضدها، وبعد هذه السنوات الست ها هي الولايات المتحدة بكل قوتها العسكرية والاقتصادية وسطوتها الدولية عالقة في مستنقعي أفغانستان والعراق، والمخرج منهما أحلاه أمر من العلقم، وهذه نتيجة طبيعية كون من تسيد التخطيط لهذه الحرب أصحاب عقيدة لهم مشروع عقائدي متزمت "محافظين جدد" اعتقدوا للوهلة الأولى أن أحداث أيلول (سبتمبر) قدمت لهم الذريعة المثلى المنتظرة لتطبيقه على مستوى العالم، وكان من نتيجة ذلك أن هذه الإدارة عانت وما زالت تعاني داخل الولايات المتحدة وخارجها كونها فقدت كثيرا من مصداقيتها السياسية على وجه الخصوص.
بعد مرور هذه السنوات الست، كيف هو حال هذه الإدارة..؟ حالها لا يسر صديقا، وهم قلة، ويشفي غليل كل عدو لها أو خصم، وهم كثرة، فيكفيها سوءا أنه لم يمر في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية إدارة واجهت من النقد العنيف، بل والاتهام الصريح بالنزعة الإمبريالية وتصلب الرأي، مثلما واجهته وتواجهه هذه الإدارة الحالية برئاسة جورج دبليو بوش، ومع أن أخطاءها برزت ووضحت منذ ولايتها الأولى، إلا أنه أعيد انتخابها لولاية ثانية في علامة استفهام حول حقيقة الديمقراطية الأمريكية وحول قدرة الناخب الأمريكي على تمييز الصالح من الطالح، وإن كان الشعب الأمريكي استدرك الأمر ولكن بعد خراب عكا، وبعد أن اكتشف عمق الهاوية التي قادته إليها هذه الإدارة باسم محاربة الإرهاب، حيث رفع من معدل معارضته لسياساتها الحالية كما تعبر عنه استطلاعات الرأي السلبية تجاهها بما لم يسبق أن حدث مع أي إدارة أخرى حتى أثناء سنوات حرب فيتنام، وانعكس ذلك في تصاعد حدة النقد الموجه لها من قبل كثير من الأمريكيين ممن استفاقوا من غفوتهم واستعادوا صحوتهم وأدركوا أي هوة تنقاد بلادهم إليها، وأعلاهم صوتا اليوم هو الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي وصفها أخيرا "بالأسوأ في التاريخ الأمريكي"، ناهيك عن صعود الديمقراطيين على أنقاض سمعة هذه الإدارة السلبية وسعيهم الحثيث لتكبيلها حتى لا تزيد الطينة بلة، فيما تبقى لها من وقت، مع أن كليهما الديمقراطيين والجمهوريين وجهان لعملة واحدة.
مشكلة هذه الإدارة هو أنها كانت معبأة بما ثقل وزنه وقلت قيمته من طاقم جاء معها بأفكار موغلة في الدروشة الدينية وباعتقادات أنها مكلفة من الرب بتمهيد عودة السيد المسيح وفق الأساطير الصهيونية التي نجحت في استقطاب جزء من المسيحيين وغسل عقولهم بغرس معتقد المسيحية الصهيونية، ومع مرور السنوات باتت هذه الإدارة أشبه ما تكون بالسفينة الموشكة على الغرق، ولن ينقذها منه إلا التخفيف من حمولتها التي أثقلتها وجلبت عليها الكراهية الواسعة في العالم كله، وهذا ما فعلته بدءا من نهاية ولايتها الأولى بداية من المنظر الظلامي "بيرل" مرورا بالمتعجرف "رامسفيلد" و"كارل رؤث" مهندس حملتي بوش الدعائيتين و"دوجلاس فث"، ومهندس حرب العراق "بول وولفويتز" وصاحب الوجه واللفظ الكريهين "جون بولتون" وانتهاء بـ "جونزاليس" وزير العدل وأقرب مستشاري بوش إليه أخيرا، وهؤلاء جميعا يمثلون أبرز طاقم المحافظين الجدد الذين رسموا ونفذوا سياسات إدارة بوش التي جلبت عليها كل هذا النقد والفشل وتفاقم الأزمات المستعصية وتدهور علاقاتها الدولية بسبب جموحهم الزائد عن الحد وتوريطها أولا في حرب مفتوحة مع ما تسميه الحرب على الإرهاب في العالم التي أدت إلى نتائج عكسية أهمها الفشل في القضاء عليه، بل أدت لزيادة معدله في العالم، وثانيا، توريطها في حربي أفغانستان والعراق اللتين باتتا حربين مكلفتين ومحرجتين لها كقوة عظمى، ورغم تخلصها من هذه الرموز التي سببت لها الكراهية وأوقعتها في كل هذه المصائب، إلا أنها ما زالت تنوء بثقل نائب الرئيس تشيني المتهم بأنه هو عراب هذه المجموعة، ومايسترو معزوفة الإنجيليين والمحافظين الجدد.
في المجمل يمكن القول إن "الحرب على الإرهاب" لم تقضِ عليه، بل حتى لم تقلل منه بقدر ما رفعت من وتيرته ووسعت من دائرته، والسبب هو أن هذه الحرب التي قادتها الولايات المتحدة صاحبتها أخطاء كثيرة وهذه الأخطاء حدثت لكون هذه الحرب اعتمدت على القوة العسكرية وحدها دون وجود جانب سياسي، ومن هنا أوصلتنا هذه الحرب الأمريكية الطراز الدينية الدوافع إلى وضع بات فيه ما تسميه وتصر عليه واشنطن بأنه إرهاب عقيدة لدى كثيرين للانتقام من القوة الأمريكية الغاشمة والمنفلتة في اعتقاد خاطئ منها بأن ما يحدد شكل العالم وفق رؤية القرن الأمريكي هو فوهة المدفع وأزيز الطائرة، نعم، بعد مرور هذه السنوات الست يمكن القول إن واشنطن لم تفشل فقط في حربها على الإرهاب، بل أشعلت صراع حضارات حين جعلت الإرهاب إسلامي الهوية والمنبع، وهو ما أدى لأن تكشف ذلك زلات الرئيس بوش المعتادة حين وصفها في البداية بأنها حرب صليبية ثم وصفه للإسلام بالفاشية.