رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


وقفة مع الدروس الدينية في رمضان

[email protected]

مع اقتراب شهر رمضان المبارك تكثر الدروس الدينية والمحاضرات والقراءات من كتب الأحاديث, ولا شك أن هذه الأنشطة أمور لا بد منها بهدف تبصير الناس بأمور دينهم وتذكيرهم بأمور ربما غفلوا عنها بسبب مشاغل الحياة. ولأهمية الشهر الفضيل لدى المسلمين تعمر المساجد بالقراءة وحلق الذكر وتزداد وتيرة البرامج الإذاعية والتلفزيونية ذات الطابع الديني, ولو تمعن المرء فيما تتم قراءته وشرحه لوجد أنها في الغالب الأعم تركز على فريضة الصوم وأحكامها, وكذا الصلاة, وصلاة التراويح والتهجد, إضافة إلى الزكاة والصدقة والتواصل الاجتماعي, وذلك بهدف تذكير الناس بأمور غفلوا عنها, وربما البعض يجهلها, خاصة إذا كانوا من صغار السن أو محدودي العلم والثقافة. وغني عن التأكيد أهمية عرض هذه المواضيع لأن في هذا العمل تجديدا للمعلومة وشحذا للهمم وتقوية لعزائم الناس على فعل الخيرات مع الذات ومع الآخرين.
تأملت في بعض الدروس والقراءات التي تعرض في المساجد, فألفيت أن بعضها ربما لم يراع فيه المتحدث أو صاحب الدرس المناسبة ولا المكان والظرف, حتى أن بعض الدروس تغرق في عرض مواضيع ربما تكون بعيدة عن واقع الناس وهمومهم, لم أكن أتوقع أن يكون أحد الدروس وفي العشرة الأخيرة من رمضان وفي الحرم المكي الشريف هو حديث الاستجمار بروث البهائم والعظام, لقد حدث هذا في العام الماضي وكان المتحدث يقرأ له من كتاب وهو يشرح نص الحديث, مستخدماً الميكروفون. ومع علمي أن هذا درس لمجموعة من الطلاب مع شيخهم إلا أن أموراً كثيرة قد تكون محل تساؤل في هذا الشأن: هل المناسبة والظرف يستوجبان الاستمرار في تسلسل الدروس, أم أنه يمكن تجاوز هذا الدرس إلى درس آخر ربما يكون له علاقة بالظرف الزمني ألا وهو شهر رمضان؟ وهل مثل هذا الموضوع يمثل مشكلة ومعضلة لدى المسلمين ولا بد من إعطائه الأولوية في العرض؟ أعتقد جازماً أن اختيار وعرض المواضيع ذات العلاقة بفريضة الصيام, الصلاة, الزكاة, الصدقة, أحكام العمرة, قراءة القرآن, والاستغفار, وغيرها من المواضيع, خاصة في الحرمين المكي والنبوي ربما تكون لها الأولوية, ولاسيما أن أعدادا غفيرة من المسلمين من هذه البلاد وغيرها من بلدان العالم الإسلامي تفد إلى هذين المسجدين, ما يعني تبصير الكثير منهم بأمور متعددة من أمور الدين, خاصة الأمور التي يمارسونها بشكل يومي كما في حالة الصلاة.
لا أعتقد أن المسلمين مهما بلغ بهم الجهل والتخلف خاصة من هم في المسجد الحرام يمارسون الاستجمار بروث البهائم والعظام, ولذا فإن تأجيل مثل هذا الدرس لن يضير طلاب أو حضور الحلقة.
تأملت في واقع الناس في الحرم فوجدت الكثير من الممارسات التي تستدعي التركيز عليها من قبل الوعاظ وأصحاب الدروس من المشايخ الأفاضل, فالنوم في الحرم وعدم المحافظة على النظافة في الحرم وفي محيطه وساحاته, ورمي النوى والتمر وباقي المأكولات, وسكب الماء على أرض الحرم, والحديث بصوت مرتفع مع الآخرين واستخدام الهاتف الجوال, وإزعاج المصلين والقراء, كلها ممارسات متكررة تقطع على الناس خشوعهم, وسكينتهم التي قطعوا المسافات وبذلوا المال من أجل أجواء روحانية تظللها السكينة والهدوء. كل هذه الأشياء وأمور أخرى حري بالوقوف عندها وشرح أضرارها, ودلالتها التي تتعارض مع ما يريده الشارع, ويحث عليه ويرغب فيه, فالمسلمون يتوضأون في اليوم خمس مرات, ويحق لهم المفاخرة بنظافتهم, لذا فشعار النظافة يفترض أن يطبق من قبل المسلم في البيت والمسجد والشارع وفي كل مكان. لا أعتقد أن صاحب الدرس يجهل واقع وتصرفات البعض داخل الحرم وخارجه التي تتناقض مع توجهات الشارع, لكن منهجية الالتزام بالتسلسل في المواضيع هو السبب في عرض مثل هذا الموضوع في مثل هذا الظرف والمناسبة. والغريب في الأمر, أنه لم يربط بين حديث الاستجمار والنظافة, ومن ضمنها نظافة الحرم وضرورة مراعاة ذلك, والسعي إلى ذلك من قبل الجميع. في ظني أن غياب مبدأ الأولويات, وعدم أخذه في الاعتبار من قبل البعض يفوت فوائد كثيرة على المسلمين الذين يستمعون إلى ذلك الدرس, فمن المواضيع ذات الأولوية التركيز على سلوك الناس في الحرم وعدم مبالاتهم بنظافته, ولو قدر لنا تفسير مثل هذا السلوك لأرجعناه لأمرين لا ثالث لهما: أولهما جانب معرفي له علاقة بثقافة الناس الدينية, وافتقاد الوعي لدى البعض, ومثل هؤلاء يكون الربط بين أحاديث الطهارة والنظافة مساعداً على الارتقاء بمستواهم الثقافي الديني, أما السبب الثاني, فهو اللامبالاة لدى البعض مع إدراكه خطأ تصرفه, وقد يكون السبب مرجعه أن الفرد اعتاد قلة النظافة حتى أصبحت عادة سلوكية ملازمة له, يمارسها في أي وقت وفي أي مكان, في المنزل, الشارع, العمل, والمسجد. ومثل هؤلاء لا بد من تنبيههم وهم يمارسون هذه الممارسات من قبل من يراهم أو من قبل من يعملون في جهاز الإشراف داخل الحرمين.
لا أعتقد أن هناك قلة في المواضيع التي يمكن عرضها وشرحها ليستفيد منها أكبر قدر ممكن من الحضور في المسجد الحرام أو ممن يصل إليهم صوت الميكروفون, لكن المشكلة تكمن في اختياراتنا وعدم مراعاة عدة اعتبارات أهمها المكان والزمن والظرف وكأني بمن يتجاهل هذه العناصر يغفل قاعدة (لكل مقام مقال).
المسلمون في جميع أرجاء العالم, لديهم الكثير من المشكلات, سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات أو على مستوى الأمة بكاملها, وحري بنا أن نستغل مثل هذه المناسبات لنعيد تشكيل ثقافة أكبر قدر من الناس بغرض التأثير في مشاعرهم ومن ثم تعديل سلوكهم بما يتناسب مع مقتضيات الشريعة, وما تستوجبه التغيرات العالمية حتى نكون على مستوى التحدي في طريقة تفكيرنا, معارفنا, مشاعرنا, سلوكنا, وكل تصرفاتنا, سواء بيننا كمسلمين, أو عند التعامل مع الآخرين. إن تمزق الأمة وتناحر أبنائها والفرقة بينهم وضع مؤلم, فهل نوجه ولو جزءاً من هذه الدروس لمناقشة ومعالجة هذه القضية؟ إذ إن في تناولها سعي إلى حل مشكلة تتضرر منها الأمة بكاملها, بينما التصرفات الفردية في الغالب ضررها ينعكس على صاحبها أو دائرته الضيقة.
إن تجمع المسلمين في هذا المكان الطاهر فرصة لا تتكرر وعلينا استغلالها خاصة في موسم رمضان حيث المشاعر رقيقة والأنفس تواقة لتعلم الخير وفعله.
هل نراجع أنفسنا ونختار الدروس بعناية كاملة تفيد أصحاب الدرس الأصليين وطلابه, إضافة إلى من يستمع إلى الدرس من الزوار والمعتمرين؟ أرجو أن نفعل ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي