انكشاف الأقنعة
إنه عصر انكشاف الأقنعة، الأقنعة التي طالما اختفت واحتمى خلفها الكثير من الجهات الحكومية والمسؤولين فيها، التي طالما استخدمت حجة لتبرير وتفسير عجز الأجهزة الإدارية عن تحقيق الحد الأدنى من الكفاءة والمهنية الإدارية. إنه العصر الذي بدأت تظهر فيه وجوه على حقيقتها المؤلمة. ليس للمسؤول نفسه فحسب، بل وللمواطن الذي كان يرى فيها مخلصاً من المشكلات اليومية التي يعانيها. إنه زمن تمر فيه أجهزة حكومية بحالات غربلة ستؤدي إلى طفو المزيد من مشكلاتها على السطح. وهذا الأمر هو فقط بداية مسار التصحيح والإصلاح الإداري.
بالأمس القريب كانت حجة المسؤول الأولى عندما يواجه بلقاء صحافي عن إحدى مشكلات جهازه الإداري هو عدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ المشاريع وتدريب الموظفين وتوفير الاحتياجات اللازمة لتقديم خدمات عامة على المستوى المطلوب. ولكن في عصر الوفرة المالية لم تعد هذه الحجة مقبولة من المسؤول وما يحدث الآن لا يفسر إلا بشيء واحد فقط هو الافتقار إلى الحد الأدنى من المهنية الإدارية. ما يحدث الآن لا يمكن تبريره بضعف الاعتمادات المالية أو قلة الموارد البشرية، فقد زادت الاعتمادات المالية لمختلف القطاعات الحكومية مع ارتفاع موارد الدولة. كما أن البطالة المقنعة تضرب بأطنابها في أجهزتنا الحكومية، مما لا يدع مجالاً لتبرير هذا الضعف بقلة الموارد البشرية، وإنما بالافتقار إلى قيادات إدارية تستطيع إعادة توجيه هذه الموارد البشرية واستغلالها بشكل يؤدي إلى رفع إنتاجيتها ومن ثم تحسين أداء الجهاز الإداري. يوماً بعد يوم تنكشف أقنعة بعض المسؤولين بانكشاف أجهزتهم الإدارية على نفسها وإعلانهم العجز الكامل عن مواجهة مشكلة ما يتعرض لها المواطن، بل وزيادة على ذلك إحالة المشكلة وسببها إلى المواطن نفسه وإلى سلوكه الاجتماعي أو الاستهلاكي وكأن هذا المواطن هو من يسن الأنظمة ويضع السياسات وكأن هذه الأنظمة لم تخرج من رحم هذا الجهاز الإداري أو ذاك.
ما يعيشه المسؤول الحالي هو نقطة فاصلة بين مسؤول الأمس وبين مسؤول اليوم الذي يوجه بانفتاح إعلامي وتوجهات إصلاحية ترعاها قيادة حكيمة تهدف إلى الإصلاح الشامل لكل أجهزة الدولة. هذا الإصلاح أدى إلى إزاحة الكثير من الأقنعة عن وجوه الكثير من المسؤولين لتكون إنجازاتهم منطلق الحكم عليهم وعلى كفاءتهم، وليجعل هذا المسار الإصلاحي المواطن شريكاً في عملية الرقابة والمحاسبة لأداء هذا المسؤول. جهات حكومية كثيرة ترزح وتئن حالياً تحت وطأة مشكلاتها الإدارية وعجزها عن تحقيق أهدافها والطريق الوحيد لخروجها من مأزقها الحالي هو اعتمادها أساليب إدارية حديثة وتجاوزها التقاليد والنظم الإدارية البالية وضخ دماء جديدة في مراكزها القيادية وإعطاء مزيد من التفويض الإداري والمحاسبة الصارمة على أساس الإنجاز وعلى جميع المستويات الإدارية. وزارة العمل تصارع مشكلة البطالة، ووزارة التجارة تواجه مشكلة ارتفاع الأسعار والغش التجاري، ووزارة الزراعة تئن تحت وطأة مشكلة نفوق الإبل، ووزارة الصحة تعاني مشكلات الأخطاء الطبية، ووزارة المياه والكهرباء تعاني نقص المياه المحلاة في مدينة جدة، وأخيراً هيئة سوق المال تعاني مشكلات سوق المال التي لا تنتهي.
إن ما يحدث حالياً من طفو مشكلات بعض الأجهزة الحكومية على السطح ليس أمرا جديدا ولكنه يحدث في زمن جديد وفي ظروف مختلفة. هذا الزمن هو زمن الإصلاح الذي يمثل الإعلامي والمواطن فيه عين القيادة وعونها على تحقيق أهدافها السامية. لذلك يجب ألا يصاب البعض بالإحباط عندما نواجه بذلك فهو مسار التصحيح والإصلاح الذي سنسير فيه خلف القيادة إلى نهايته. وهذا المسار كما أشرت مسار تنكشف فيه الأقنعة عن الوجوه وتظهر فيه على حقيقتها التي قد تكون مؤلمة أحياناً.