هيئات الاستثمار العامة والاستثمار بعيد المدى

[email protected]

تعد الصين، روسيا، البرازيل، والهند, التي يصفها قطاع الأعمال العالمي بدول "بريكس" والسين في النهاية للجمع نسبة للأحرف الأولى من أسماء هذه الدول BRICs, من كبريات الأسواق الناشئة نمواً واستهدافاً من قبل مختلف المستثمرين من جميع دول العالم نظراً لعدة أمور منها كبر حجم السوق، التسارع في انفتاح الأسواق على المستثمرين الأجانب، توافر العمالة الرخيصة والمدربة في جميعها، توقعات النمو المستقبلي، وتوافر موارد مدخلات الإنتاج والمواد الأولية التنافسية في روسيا مثلاً. وفي مجال الاستثمارات الأجنبية المباشرة والعابرة للقارات، فالبحث عن تحقيق ارتفاع في معدلات كفاءة الإنتاج، تخفيض التكاليف، وتوسيع الحصة السوقية هي من أهم محددات الاستثمار الأجنبي الذي لن يفكر في الدخول إلى أي سوق إلا إذا كانت له جدوى اقتصادية محسوبة بالأرقام، لا التصريحات والتأكيدات الإنشائية بالطبع.

وفي الوقت الذي يراقب ويتواصل عالم المال والاستثمار في الدول الصناعية مع دول البريكس، نلاحظ أن القطاع الخاص السعودي وكبار المستثمرين السعوديين يملكون بوصلة تتفوق على الكثير من بيوت الاستثمار العالمية لدخولهم في استثمارات وعلاقات استراتيجية مع كبرى الوحدات الاقتصادية في هذه الاقتصادات النامية بقوة ومنذ فترة طويلة. بيد أن السؤال يكمن في قدرة القطاع العام وأذرعه الاستثمارية على تحسس التحركات الاقتصادية العالمية ومدى جدوى الاستثمار في هذه الدول للحصول على موطئ قدم للمؤسسات الاقتصادية والاستثمارية الوطنية التي تدير أموال المواطنين. وقامت شركة سابك، وهي الأنشط لميزاتها التنافسية ليس إلا والمتمثلة في توافر الأسعار التنافسية لمدخلات الإنتاج المدعومة حكومياً بالتوسع شرقاً وغرباً بشكل يدعو للإعجاب إن وإذا فقط كان لها انعكاس على القوائم المالية المستقبلية، المساهمة في بناء رأس المال البشري والمادي، وتسهيل تكوين شراكات اقتصادية بين القطاع الخاص الوطني والشركاء العالميين من خلال علاقة الأعمال التي تنشأ بعد الاستثمار.

وأركز هنا على التحركات الاستثمارية للقطاع العام بالدرجة الأولى لاتصاف استثمارات القطاع العام عموماً بكونها استثمارات استراتيجية وطويلة المدى هدفها تنويع وتعميق عوائد الاقتصاد الوطني، وتأخذ في الحسبان التأثيرات الجانبية الممكن تحقيقها كالمكاسب التقنية والشراكات الاستراتيجية. لذلك، فمشاريع الاستثمار المستهدفة يجب أن تتميز بخصائص تنسجم مع أهداف الاستثمار من ناحية الأداء على المدى الطويل، النشاط الاقتصادي والمنتجات ومدى ارتباطها بالاستثمارات الأخرى في المحفظة الاستثمارية, خصوصاً أن تنويع المحفظة الاستثمارية مهم لتقليل المخاطر في الوقت نفسه الذي يجب أن تسهم هذه المحفظة في تنويع إجمالي الاستثمارات الداخلية، أما التأثيرات الجانبية فتعتمد في الأساس على وجود استراتيجية تسبق الاستثمار يتم تطبيقها و"بيع" فكرتها تدريجياً إلى الشركات المستثمر فيها.
وبالعودة إلى البريكس، هل هذه الاقتصادات مناسبة للأهداف الاستثمارية السابقة؟ بداية، تشير التوقعات إلى أن هذه الاقتصادات الأربعة ستكون من ضمن أكبر ستة اقتصادات في العالم بحلول عام 2050، حيث إن قطاع التجارة الخارجية ممثلاً في التصدير يلعب الدور الأكبر في النمو الاقتصادي في الفترات الأولى ثم يأخذ الطلب والاستهلاك المحلي بأخذ دور أكبر مع ارتفاع معدلات الدخل الفردي والارتفاع الذي لا مفر منه لعملات هذه الدول أمام العملات الأخرى نظراً للنمو الاقتصادي. كما أن معدلات النمو غير المسبوقة لمجموعة البريكس ستبقي الطلب العالمي مرتفعاً على السلع الأولية ومدخلات الإنتاج، ومن ضمنها المنتجات النفطية والبتروكيماوية.
وعلى الرغم من التزامها جميعاً التوجه نحو رفع مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، إلا أن الهيكل الاقتصادي لهذه الدول ما زال يتميز بسيطرة القطاع العام على أجزاء كبيرة من الاقتصاد. ويمثل تخصيص الشركات والمصانع المملوكة للقطاع العام في هذه الدول فرصة ذهبية للاستثمار في هذه الاقتصادات الواعدة من بوابة التخصيص وخصوصاً لصناديق الاستثمار الحكومية. فعلى سبيل المثال، من الواجب أن يكون لصناديقنا أولوية وحضور قوي مقارنة بغيرها عند تخصيص شركات ومصانع البلاستيك التي تستخدم المنتجات البتروكيماوية كمدخل إنتاج أساسي نظراً لقدرة صناديقنا على بناء شراكات استراتيجية بين منتجي البتروكيماويات السعوديين ومصانع البلاستيك كموردين، أو بين شركات بلاستيك وطنية ونظيرتها المستهدفة بالاستثمار للتعاون التقني أو الاندماج أو غير ذلك تبعاً للنموذج الاستثماري الأمثل لتعظيم العائد من الاستثمار.

وختاماً، من المهم الاستفادة من تجارب صناديق الاستثمار الحكومية الخليجية الأخرى التي لها سجل من النجاحات المتتالية. وكما أوردت "الاقتصادية" الثلاثاء الماضي نقلاً عن مقابلة لوكالة "فرانس برس" مع إيكارت ورتس مدير البرامج الاقتصادية في مركز الخليج للأبحاث، فإن جهاز أبو ظبي للاستثمار يدير محفظة تصل إلى 875 مليار دولار، بينما تدير الهيئة الكويتية العامة للاستثمار موجودات تقدر بين 160 و250 مليار دولار. وأضاف التقرير أن للكويت استثمارات كبيرة في إندونيسيا، وهذا ليس بالمستغرب لقرون الاستشعار الاستثمارية للكويت، خصوصاً أن تقريراً حديثاً عن جاذبية الاستثمار في أوروبا لشركة إرنست آند يونج أورد توقعاته بأن القوى الاقتصادية العالمية بحلول عام 2050 ستشمل دول البريكس، إندونيسيا، المكسيك، وتركيا. إذن، هم يعلمون أين يستثمرون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي