المستثمرون الخليجيون يواجهون مهمة شاقة في شمال إفريقيا
تتدفق أموال النفط من دول الخليج العربية على شمال إفريقيا لتساعد الاقتصادات المتعطشة للاستثمارات على خلق وظائف والحد من الفقر. لكن هذا كله على الورق. ففي الواقع تحوم علامات استفهام حول مشاريع تتراوح بين منطقة شاسعة للتجارة الحرة في ليبيا إلى مصفاة ألومينوم تتكلف خمسة مليارات دولار في الجزائر ومجمع سياحي في تونس يقال إنه يتكلف 14 مليار دولار.
وتستثمر الأسر الحاكمة في دول الخليج العربية أموال النفط في صناعات جديدة للحد من اعتمادها على قطاع الطاقة ولكن النمو يتباطأ في كثير من هذه الصناعات المحلية مما يرغم الأسر الحاكمة على التطلع لمسافات أبعد بحثا عن فرص جديدة. ومن شأن الروابط السياسية والثقافية أن تمنح المستثمرين الخليجيين ميزة تنافسية في شمال أفريقيا حيث تسببت عقود من ضعف نشاط القطاع الخاص في تأخر اقتصادات المنطقة كثيرا عن جيرانها الأوروبيين الأثرياء.
وتعوق البيروقراطية والفساد التقدم في شمال إفريقيا. فيقول المحللون إنه من أجل تنفيذ المشروعات يتعين على المستثمرين الأجانب ممارسة لعبة مبهمة للفوز بالدعم السياسي حيث تطغى المصالح الخاصة المعقدة على منطق العمل التجاري. ويحتل المغرب المركز 115 بين 175 دولة شملها مسح أجراه البنك الدولي للدول التي توفر بيئة ملائمة للأعمال بينما جاء ترتيب الجزائر في المركز 120. أما ليبيا التي بدأت تخرج لتوها من عقوبات اقتصادية ثقيلة فليس لها أي ترتيب في المسح.
وفي المغرب وهو الدولة الوحيدة في شمال إفريقيا التي لا تملك ثروة نفطية وتحرص على جذب الاستثمارات عجلت الحكومة بتنفيذ المشاريع الاستثمارية من خلال تسهيل قواعد العمل المعقدة بما يخدم المستثمرين الخليجيين.
يقول ديفيد بتر المحرر الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط في "إيكونوميست إنتليجنس يونيت"، "المغرب هو المكان الوحيد الذي ستتحرك فيه الأمور بأسرع إيقاع على الأرجح ولكن الجزائر وليبيا هما البلدان اللذان يتمتعان بأكبر إمكانات". ويضيف قائلا "في هذه الدول هناك حاجة لإدارة تتسم بالكفاءة للمشاريع وليس هناك نقص في الموارد. إنها فقط مسألة إنجاز الأمور". وفي الشهر الماضي ذكرت وسائل الإعلام التونسية أن شركة دبي القابضة ستستثمر 14 مليار دولار في مجمع سياحي شمالي العاصمة التونسية ولكن لم ترد أي أنباء عن الموضوع منذ ذلك الحين.
ويقول رجال الأعمال في الجزائر، إن ثاني أكبر دولة في إفريقيا تتلهف على الاستثمارات الأجنبية وتسعى للانفتاح على أفضل الممارسات العالمية في مجال الخدمات وهو مجال تعاني فيه من سجل ضعيف. ويسلم المسؤولون الحكوميون بأن البلاد تفتقر للخبرة الإدارية والتكنولوجيا ويأملون بزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية إلى أكثر من مثليه في قطاعات خارج صناعة النفط والغاز الحيوية لتصل إلى سبعة مليارات دولار في عام 2007 ويتطلعون لأن يأتي القسم الأكبر من الزيادة من الدول العربية.
وقد صادفت الشركات الكويتية والمصرية نجاحا في قطاع الاتصالات الجزائري ولكن حفنة فقط من المشاريع الكبيرة التي تستثمر فيها شركات خليجية تكللت بالنجاح مثل مشروع محطة كهرباء بطاقة 1200 ميجاواط في حجرة النوس. وذكر تقرير إعلامي إماراتي في آذار (مارس)، أن شركتين إماراتيتين وقعتا اتفاقا مع شركة الطاقة الحكومية الجزائرية سوناطراك لإقامة مصهر ألمنيوم بقيمة خمسة مليارات دولار وطاقة إنتاجية سنوية قدرها 700 ألف طن. لكن لم ترد أي أنباء عن المشروع منذ ذلك الحين. وذكرت الصحف المحلية أن محادثات تجري بشأن مشروع يتكلف بضعة مليارات من الدولارات لتطوير جزء من كورنيش العاصمة الجزائرية بما في ذلك إقامة فنادق من فئة الخمسة نجوم ومراكز لخدمة قطاع الأعمال وفيلات فاخرة ولكن لم ترد أي أنباء رسمية عن التفاصيل. وقال بتر "الجزائريون يحاولون اجتذاب الاستثمارات الكبيرة لقطاع البتروكيماويات من خلال شركات مثل سابك (السعودية) ولكن لا تزال هناك بعض الصعوبة في النهوض بمثل هذه المشروعات".
وتختلف الصورة في المغرب حيث أبرم المستثمرون الخليجيون صفقات مشاريع تصل قيمتها إلى 30 مليار دولار. وتعمل دبي القابضة على مدار الساعة في العاصمة الناعسة الرباط في إطار مشروع قيمته 2.7 مليار دولار لإقامة فنادق ومتاجر وميناء لليخوت وطرق خاصة للمشاة. ومع ذلك فإن المستثمرين الخليجيين يأتون في مرتبة متأخرة كثيرا عن الاتحاد الأوروبي في شمال إفريقيا عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات طويلة المدى في مشاريع القيمة المضافة العالية التي تخلق فرص عمل كبيرة مثل صناعة أجزاء السيارات والمنسوجات ومجال إسناد الأعمال لشركات في الخارج.
ولكن مع رؤوس الأموال الضخمة والاتصالات السياسية القوية يبدو المستثمرون الخليجيون الأكثر قدرة على مواجهة المخاطر واقتحام مجالات اقتصادية غير مؤكدة.
يقول ستيف برايس المدير الإقليمي للأبحاث في "ستاندرد تشارترد بنك"، "كلما كانت المخاطر المتصورة كبيرة كان المردود المتوقع كبيرا. ينبغي مكافأة المستثمرين على جهودهم والمخاطر التي يتحملونها وإلا فلن تكون هناك استثمارات".