إفريقيا الصينية على الطريق الصحيح
كثر الحديث أخيرا عن التغير في موازين القوى الاقتصادية العالمية وأصبحت الصين والهند والبرازيل وكوريا أمثلة للتطور الاقتصادي الذي أصبح يزاحم بشكل كبير الهيمنة الاقتصادية التي كانت القوى الغربية تتزعمها لفترة طويلة من الزمن. ولعل هذا التغير في الخريطة الاقتصادية العالمية اعتمد على عدد من العوامل التي ساعدت على هذا التغيير، منها عوامل سياسية واقتصادية، خصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة وانفتاح الاقتصاد العالمي على العولمة الاقتصادية، وأصبحت هناك حرية أكثر لتنقل الاستثمارات وحركة رؤوس الأموال.
واليوم أصبح الحديث عن النمور الآسيوية، وخصوصا جداً الصينية، هو حديث الجميع على مختلف المستويات، وخلال الفترة الماضية لفت انتباهي التحرك الصيني الكبير باتجاه إفريقيا، وهو تحرك متوقع وهو ما يفعله الكثير من الشركات حول العالم، كون إفريقيا قارة مملوءة بالموارد الطبيعية وكذلك بالموارد البشرية التي قد لا نراها اليوم، ولكن بلا شك أن تحرك تلك الاستثمارات باتجاه القارة السمراء سيحدث تحولا في التركيبة البشرية لسكانها، وبالتأكيد سيرفع من تأهيل كوادرها. وهو ما حدث مع الاقتصادات الآسيوية في الثمانينيات حيث كانت هناك موارد بشرية رخيصة في بداية الانطلاقة التنموية شكلت أحد أهم الأسس التي أسهمت في النمو الاقتصادي، والذي أدى إلى ارتفاع الأجور وتحسين مستويات المعيشة في تلك الدول.
 ففي الصين تتوافر عمالة رخيصة وماهرة، استطاعت الشركات الغربية الاستفادة منها بصورة كبيرة، ما أدى إلى انتقال الكثير من الصناعات والخبرات إلى الصين. ولا عجب في أن تحتل الصين أولوية الشركات الغربية عند الحديث عن الاستثمار الأجنبي في نظرية تخفيض تكلفة الإنتاج. ومن ناحية فإنها تملك ميزة تنافسية عند الحديث عن نظرية قوة الأسواق المحلية، فارتفاع معدلات النمو وزيادة دخل الفرد في أكبر دولة في العالم من ناحية عدد السكان يجعلان الصين المكان المفضل والمناسب لأي استثمار أجنبي. ولذلك فلا عجب أن نرى النمو الاقتصادي الصيني الأعلى في العالم خلال السنوات العشر الماضية وبمعدل نحو 10 في المائة سنويا.
ولكن يبدو أن الصين على مستوى الشركات مازالت تبحث عن الأفضل وهو ما ينقص الصين، وهنا الحديث عن الموارد الطبيعية التي تدعم استمرار النمو وتحافظ على المكاسب الاقتصادية التي حققتها الصين خلال الفترة الماضية. إن الصين بدأت تحتل مركزا مهما في التجارة العالمية، مستفيدة في ذلك من انفتاح الأسواق وتحررها، ولا عجب عندما نرى المنتجات الصينية تغزو جميع الأسواق العالمية، بل تنافس بقوة فيها. ولا عجب أن تنظر الشركات الصينية إلى إفريقيا بحسبانها مصدرا لتغذية قاعدتها الصناعية المحلية التي تحتاج إلى كميات ضخمة من المواد الخام للحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، وكذلك لنقل الخبرات الصينية إلى أماكن تحتاج إلى الدعم الاقتصادي والدعم الخبراتي وكذلك الاستفادة المزدوجة للطرفين.
ختاماً، إن نظرية الاستثمار الأجنبي التي تطبقها الشركات الصينية حاليا تقوم على نقل الكثير من الاستثمارات إلى دول كثيرة حول العالم، وهو ما كانت تتبعه الشركات الغربية في أواخر القرن الماضي، ولكن يبدو أن الشركات الصينية طورت ذلك المفهوم بالتركيز على القارة البكر المملوءة بالثروات الطبيعية والبشرية. ومن وجهة نظري أن أحد دوافع الشركات الصينية لهذا النهج، خصوصا في الفترة الأخيرة يعتمد على تفادي الحظر الذي يواجه أو قد يواجهه بعض المنتجات الصينية، على سبيل المثال، المنسوجات مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا، مما قد يؤثر في النمو الاقتصادي الصيني إذا ما واجهت إجراءات أكثر صرامة أو أكثر استهدافاً.
فهل تستفيد الصين من إفريقيا لتصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم في عام 2050؟
