رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ورطة إدارة بوش .. الكل استفاد إلا نحن

[email protected]

مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس بوش وإدارته الثانية والأخيرة، والتي لن يأسف عليها الأمريكيون قبل غيرهم، توالت التقارير حول فشل هذه الإدارة فيما تسميه بالحرب على الإرهاب وآخرها تقرير مكتب محاسبة الحكومة في الكونجرس والذي قرر أن إدارة بوش لم تحقق إلا القليل من أهدافها في العراق، مما انعكس على ازدياد نسبة المعارضين والمنتقدين لسياستها في أوساط الرأي العام الأمريكي وتناقص نسبة المؤيدين إلى أقل من 30 في المائة من الشعب الأمريكي، ومع ذلك ما زال الرئيس بوش يحلق بعيدا عن الواقعية حين يتوهم أن حربه على الإرهاب تحقق النجاح وأن سياسته القائمة على نظرية أن علينا ـ أي الأمريكيين ـ أن نحارب الإرهاب في بغداد حتى لا نضطر لمحاربته في واشنطن، في إسقاط واضح لأحداث أيلول (سبتمبر) الشهيرة، لم تعد مقنعة للرأي العام الأمريكي وهو يكتشف يوما بعد يوم كم الخسائر البشرية والمادية والأخلاقية التي يدفعها الشعب الأمريكي ثمنا لحرب بنيت على أكاذيب وادعاءات ثبت زيفها.
الحقيقة التي لا يريد الرئيس بوش ولا إدارته الاعتراف بها هي أنهم في ورطة في العراق على وجه الخصوص وفي معاناة كبرى في أفغانستان، وتعكس ذلك الحقائق على الأرض، ولعل أبرزها أن المقاومة في العراق تزداد صلابة ومن دلالاتها إعلان الجيش الأمريكي عن سقوط قتلى من جنوده يوميا، ومن المعروف أن الجيش الأمريكي لا يعلن إلا عن قتلاه من الجنود الأمريكيين ويتجاهل ذكر من يقتل من جنوده المرتزقة، أما في أفغانستان فها نحن نشهد تصاعد قوة طالبان ومن شواهدها خطف الكوريين الجنوبيين واضطرار سيئول للتفاوض المباشر مع طالبان دون تدخل أو دور لحكومة كرزاي والجيش الأمريكي، وما جرى في حادثة الكوريين الجنوبيين يكشف جانبا من جوانب الفشل الأمريكي في الحرب على الإرهاب.
من الجوانب المهمة في الورطة الأمريكية في العراق وأفغانستان حالة الجيش الأمريكي المتردية خصوصا في العراق، فقد اعترف البنتاجون أن أكثر من 500 جندي فروا من الخدمة منذ بداية الحرب على العراق، وأن الأمراض النفسية انتشرت بين الجنود بشكل كبير بسبب الضغوط الواقعة عليهم جراء حدة المقاومة من جهة ودفع رؤسائهم لهم بارتكاب أبشع أنواع التنكيل بالعراقيين المشتبه بهم من جهة أخرى، وحالة الخوف والرعب الدائمين التي يعيشها الجنود وهم يتوقعون في أي لحظة تعرضهم للقتل أو الإصابة، فلم تعد الحرب على العراق وأفغانستان مجرد نزهة عسكرية لا مخاطر فيها كما توهموا من قبل، فالواقع الذي تعيشه القوات الأمريكية سواء في العراق أو في أفغانستان واقع مر انعكس على نفسيات الجنود، مما أدى إلى انتشار الأمراض النفسية والفساد الأخلاقي مثل الدعارة واللواط والاغتصاب والإدمان على الكحول والمخدرات، وأكد ذلك تقرير للبنتاجون أن أكثر من عشرة آلاف جندي أمريكي عادوا من العراق طلبوا مساعدة طبية ليتمكنوا من الاندماج بشكل طبيعي اجتماعيا.
خلاصة القول إن هذه الإدارة وهي تلفظ أنفاسها تسابق الوقت لإنجاز أي انتصار تنهي به فترتها، ولهاثها من أجل ذلك أدى بها لارتكاب المزيد من الأخطاء كمحاولتها طوال الأشهر الماضية إشغال الرأي العام الأمريكي بالأزمة مع إيران لصرف الأنظار عن العراق، وهو ما فهمته طهران بذكاء ومكنها من المناورة المفتوحة، ففي الوقت الذي تسرب فيه أخبار عن ضربة عسكرية أمريكية متوقعة لإيران تعقد معها مفاوضات مباشرة وعلنية حول الوضع في العراق في اعتراف من واشنطن بالدور الإيراني هناك، وهو ما كشف أن التهديدات بعمل عسكري ضد طهران ما هو إلا عملية تمويه سياسي على الوضع العراقي المحرج لواشنطن وتركيز الديمقراطيين عليه بعد فوزهم في انتخابات الكونجرس وحصولهم على الأغلبية، ولكن هذا التمويه لم يدم طويلا حيث زادت حدة الانتقادات للاستراتيجية الأمريكية في العراق، وتأكيدا ليس فقط لفشلها بل لانعكاسها السلبي على الولايات المتحدة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، وجاءت معظم هذه الانتقادات من عسكريين أمريكيين سابقين ومحللين استراتيجيين، وحتى من حلفائهم البريطانيين كما جاء أخيرا على لسان "سير مانك جاكسون" الذي كان قائدا للجيش البريطاني في بداية الغزو بوصف السياسة الأمريكية في العراق أنها مفلسة فكريا واصفا وزير الدفاع الأمريكي سيء الذكر "رامسفيلد" أنه أكثر من يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور في العراق، وهذا ما دفع بكبار القادة العسكريين الأمريكيين لمطالبة الرئيس بوش أثناء اجتماعه بهم أواخر الشهر الماضي، حسب جريدة "لوفيجارو" الفرنسية، بسحب نصف القوات الأمريكية من العراق بحلول العام المقبل.
لم تعد الورطة الأمريكية في العراق وأفغانستان في حاجة إلى أدلة وإثباتات فهي واضحة للعيان، وهي ورطة ينطبق عليها مثل "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فتورط واشنطن استفاد منه كثيرون، فروسيا مثلا وجدتها فرصة لتستعيد شيئا من قوتها العظمى السابقة، والأوروبيون أخذوا يتهربون من التحالف مع واشنطن فيما تسميه بالحرب على الإرهاب، ودول كثيرة قررت سحب قواتها المشاركة بما تطلق عليه واشنطن بالتحالف الدولي، وهو "لا تحالف ولا دولي"، وإيران زادت من نفوذها في العراق واستغلت الوقت لتطوير برنامجها النووي أمام نظر الوكالة الدولية للطاقة الذرية وواشنطن دونما خوف من أي عقوبات، الوحيدون الذين لم يستفيدوا من هذا التورط الأمريكي نحن العرب، فنحن ما زلنا نتحلى بروح الفروسية المثالية لا عن مبدأ طوباوي ولكن لدرء عجز وخوار يبدو أنه بات مزمنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي