الفرق في الأسئلة واستقلالية القرار
تتزايد الأسئلة عن سوق الأسهم بشكل كبير عندما تبدأ أية موجة صعود. فمؤشر سوق الأسهم السعودية شهدت موجة صاعدة بدأت في الثاني من تموز (يوليو)، ومازالت المؤشرات الفنية تشير إلى مزيد من الصعود. وقد خلق هذا الوضع جوا من التفاؤل ومعه بدأت ريح التوصيات تنتشر بين صغار المتعاملين كالنار في الهشيم. وبدأت تتكاثر الأسئلة على المحللين والمهتمين بالسوق. إلا أن الملاحظ من طبيعة الأسئلة التي تطرح من المتعاملين، وخصوصاً صغار المتعاملين في السوق أو الراغبين الدخول فيها، أنها مازالت تشير إلى عدم تغير سلوكياتهم عن السنوات الماضية، وكأنهم لم يتعلموا من هبوط السوق الحاد، وتأثيره الكبير على مدخراتهم. وعلى خلاف الأسئلة الموجهة من صغار المتعاملين، نجد أن أسئلة كبار المتعاملين هي عن النظرة المستقبلية و توقعات أداء السوق والعوامل المؤثرة فيه. والفرق بين السؤالين هو كبير، كالفرق بين من يتخذ القرار بنفسه، ومن يدع الآخرين يتخذون القرار نيابة عنه.
إن الفرق بين أسئلة صغار المتعاملين و كبار المستثمرين تعكس طبيعة نظرة كل فئة إلى السوق. فمازالت أسئلة صغار المتعاملين تندرج في السؤال عن رأيك في شركة ما، ويتبعها بقوله (يقولون ستصل إلى السعر الفلاني). وعندما تسأله من هم هؤلاء (الذين يقولون)، ولماذا ستصل إلى تلك الأسعار، تجد أنه لا يمتلك أية ايجابة. لذا فإن استدراج صغار المساهمين إلى كوامين الهوامير أصبح أمرا واردا في حال اتساع وتيرة ارتفاع السوق. حيث أن من يصنع قرار المتعامل الصغير هم الهوامير (المضاربون الكبار). وعلى خلاف ذلك فإن كبار المتعاملين يسألون عن النظرة المستقبلية للسوق ، ثم يتخذون القرار بأنفسهم.
إن الملاحظ أن سلوكيات المتعاملين الصغار لم تتغير، فمازالت تعتمد على التوصيات من مجهولين لجرهم للدخول في شركات معينة، وإيهامهم بتحقيق أرباح سريعة وكبيرة، متناسين أنهم يستغلون كقنوات تصريف لتعظيم أرباح الهوامير. والأدهى من ذلك أن معظم صغار المتعاملين مازالوا يعتقدون أن عليهم دخول السوق بكامل استثماراتهم، وفي شركة أو شركتين فقط، ما يدل على عدم فهم ووعي لدور السوق كقناة استثمارية في المديين القصير والمتوسط. إن الاستثمار في السوق يجب أن يفهم على أنه استثمار مواز للاستثمار في القطاعات الأخرى كالعقار مثلاً. فكم من صغار المتعاملين يدرك أن شراء قطعة أرض لا يعني ارتفاعها في المدى القريب، ويدرك أنه بعد سنوات قد تصل إلى سعر أقل أو أعلى من سعر الشراء. فلماذا يتسم المتعاملون الصغار بالصبر والإدراك في سوق العقار مثلاً، بينما لا يتمتعون بهذه الصفات في سوق الأسهم. قد يقول قائل إن الخبرة التراكمية التي يتمتع بها الأفراد في العقار مقابل الأسهم هي السبب. إلا أن تجربة السنين الماضية في سوق الأسهم لصغار المتعاملين هي تجربة مريرة، و يجب أن تكون قد علمتهم درساً مفيداً، و تجعلهم أكثر عقلانية وتمرساً، وهو الأمر الذي لم نره حتى الآن.
إن المتعاملين الكبار وأسئلتهم الحصيفة عن توقعات المحللين لسوق الأسهم تدل على قدرتهم ورغبتهم في اتخاذ القرار بأنفسهم فهم يملكون القدرة على اتخاذ القرار على عكس صغار المساهمين الذين يريدون أن تتخذ لهم القرارات. إن اتخاذ القرارات من قبل آخرين يجعل مصير هؤلاء الصغار في مهب الريح ويجعلهم يمنون بخسائر فادحة. ولأن صغار المتعاملين يشكلون نحو 90 في المائة من المتعاملين فيه، فإنه يصعب التنبؤ بحركة سوق أسهمنا المحلية. وحيث إننا نعيش فترة انفصال بين السوق المالية و جوهر الاقتصاد (الاقتصاد الحقيقي) منذ السنة الماضية، فإن هناك صعوبة كبيرة في عقلنة السوق. وأعني بعقلنة السوق هو التوقع بأدائها سواء بالسلب أو الإيجاب حيث إن السوق بتركيبتها الحالية تجعل من الصعوبة التنبؤ بمسارها.
ولعل النصيحة التي يحتاج إليها المتعاملون، وخصوصاً الصغار منهم، حتى يمكنهم من اتخاذ القرار بأنفسهم، تتمثل في التالي:
أولاً: إدراك أن أسواق الأسهم هي قنوات للاستثمار في المدى القصير والمتوسط (سنة – ثلاث سنوات)، ويفضل البقاء على المدى البعيد ولو بجزء من السيولة.
ثانياً: التنويع الاستثماري هو عامل جوهري و أساسي في آلية الاستثمار، حيث يجب أن يكون التنويع بين مناشط الاقتصاد المختلفة (أسهم، عقار، استثمارات مباشرة، وغيره)، وكذلك التنويع داخل سوق الأسهم نفسه، بين الشركات والقطاعات على حد سواء.
ثالثاً: الدخول والخروج بكامل السيولة لا يحقق العوائد المبتغاة، بقدر ما يعمل على تآكل رأس المال. إن التنويع في عدد من الشركات وعدد من القطاعات، والاستمرار في البقاء في سوق الأسهم أطول فترة ممكنة، ولو ببعض السيولة، يسهم في تحقيق العوائد المستهدفة من الاستثمار في السوق.
رابعاً: الإدراك بأن أسوق الأسهم (بما فيها العالمية)، تنفصل في كثير من الفترات، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، عن الاقتصاد الحقيقي. ويمكن لها دون سابق إنذار أن تغير من اتجاهها في أي لحظة بشكل دراماتيكي، كما هو الحال في أزمة الرهن العقاري وتتابع تأثيره السلبي في الأسواق العالمية حتى الآن.